عايض بن خالد المطيري
قدّمت المملكة العربية السعودية نموذجًا متقدمًا في الدبلوماسية الفاعلة وإدارة الأزمات، عبر تدخل مدروس ساهم في تهدئة التوتر المتصاعد بين الجارتين النوويتين، الهند وباكستان. ففي لحظة شديدة الحساسية، كانت الرياض الدولة الوحيدة التي أوفدت مبعوثًا خاصًا إلى العاصمتين، وهو ما مهّد الطريق إلى وقف لإطلاق النار، وتهيئة الأجواء لمحادثات مباشرة بين الطرفين، مما جنّب المنطقة خطر مواجهة عسكرية واسعة.
جاء التحرك السعودي سريعًا ومنسقًا، مستندًا إلى فهم دقيق لتعقيدات النزاع، وقدرة واضحة على التواصل مع مختلف الأطراف، إلى جانب ما تحظى به السعودية من مكانة سياسية ودبلوماسية إقليمية ودولية. هذه العوامل مجتمعة أسهمت في تحقيق نتائج ملموسة خلال فترة وجيزة، الأمر الذي يعكس حجم الثقة الدولية المتزايدة في الدور السعودي.
اللافت في هذا السياق أن إدارة الأزمة لم تتوقف عند حدود السياسة الخارجية، بل امتدت إلى الداخل، حيث يعيش في السعودية أكثر من 3,6 ملايين مقيم من الهند وباكستان. ورغم التوتر الحاد بين بلديهم، لم تُسجل أي مظاهر اضطراب أو احتكاك بين الجاليتين، ما يعكس كفاءة المنظومة الأمنية، وفاعلية الإجراءات الوقائية، وقدرة الدولة على الحفاظ على الاستقرار المجتمعي حتى في أحلك الظروف.
يمثل هذا الإنجاز أحد أبرز تطبيقات «إدارة الأزمات» بمعناها الشامل، القائم على التخطيط المسبق، وسرعة التفاعل، وحسن تقدير الموقف. فقد أثبتت السعودية أن امتلاك أدوات مرنة وفعالة في التعاطي مع التحديات، يضاعف من قدرة الدولة على الحفاظ على مصالحها الداخلية، والمساهمة الفعالة في استقرار محيطها الإقليمي.
وعلى الرغم من أن الجالية الهندية تشكل 14,1 % من المقيمين في السعودية (1,88 مليون فرد)، وتليها الجالية الباكستانية بنسبة 13,6 % (1,81 مليون مقيم)، فإن التزام الجاليتين بالهدوء، وانعدام مظاهر التوتر بينهما، يبرزان حجم الوعي المجتمعي، ويؤكدان نجاح السعودية في ترسيخ ثقافة النظام والانضباط، وتعزيز ثقة الجميع بالبيئة القانونية والتنظيمية القائمة.
كما لا يمكن إغفال الأثر الإيجابي للعلاقات الاقتصادية والتاريخية التي تربط السعودية بكل من الهند وباكستان، التي مكّنت من فتح قنوات تواصل فعالة وسريعة، ووفرت مساحة مناسبة للتدخل الإيجابي والبنّاء.
يُضاف إلى ذلك أن استقرار العمالة الوافدة - خاصة في القطاعات الحيوية - يظل من الأولويات الاستراتيجية التي تسعى الدولة إلى الحفاظ عليها بكل الوسائل الممكنة.
لقد أثبتت هذه الأزمة أن إدارة الأوضاع الحساسة لا تتطلب فقط أدوات سياسية، بل أيضًا فهمًا دقيقًا للواقع الداخلي، واستعدادًا مسبقًا لتأمين الجبهة الداخلية من أي ارتدادات محتملة. ومن أبرز ما يمكن الخروج به من هذه التجربة، أن التوازن بين الحزم والمرونة، والقدرة على الجمع بين القرار السياسي الرشيد والتنفيذ الأمني المنضبط، يشكلان الأساس الحقيقي للنجاح في مواجهة الأزمات.
الدور السعودي في تهدئة التوتر بين الهند وباكستان لم يكن وليد المصادفة، بل نتاج تراكم طويل من بناء الثقة والمصداقية. ونجاح السعودية في منع انفجار أزمة كادت أن تتطور إلى نزاع مسلح، بالتوازي مع ضبط الأوضاع الداخلية، يقدم مثالًا واقعيًا على أن القيادة حين تقترن بالحكمة والجاهزية، تكون قادرة على تحويل التحديات إلى فرص سلام واستقرار.