مشعل الحارثي
عشنا وعاش العالم باسره أجمع يوم الثلاثاء 15 ذي القعدة 1446هـ - 13 مايو 2025م أحد أيام المملكة العربية السعودية التاريخية بمناسبة الزيارة الخارجية الأولى لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية (دونالد ترمب) في ولايته الثانية للسعودية، وكما اختارها من قبل لتكون وجهته الأولى في ولايته السابقة، ولكلا الزيارتين رمزيتهما ومدلولهما الكبير على مدى عمق ومتانة العلاقات بين البلدين والشراكة الاستراتيجية بينهما الضاربة في العمق، وما تشكله ولتعطي في مجملها مؤشر على تحول كبير سواء على مستوى السياسة الأمريكية او على النطاق السعودي ونطاق المنطقة، وايذان ببداية عهد جديد نحو حلحلة قضايا المنطقة وأزماتها العالقة، وإحلال العدل والسلام على ربوع المنطقة ، فضلاً عما تؤكده هذه الزيارة مجدداً على أهمية ومكانة الرياض ودورها الفاعل والمؤثر في توجيه القرار الإقليمي والعالمي.
لقد تابع العالم وعايش في هذا اليوم عملا سياسيا من الطراز الأول، وكان يوماً سعودياً أمريكيا بامتياز، عامراً بالصداقة والمحبة، وحافلاً بالعمل الجاد المثمر والتعاون والشراكة الواسعة من خلال حضور ومشاركة رؤساء وممثلي مئات الشركات الأمريكية ورجال الأعمال ونظرائهم من السعوديين في منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي، وما صاحبه من توقيع العشرات من الصفقات ذات الأثر على المواطنين والمستثمرين وفي عدة مجالات حيوية وهامة كالتعاون العسكري والأمني والتكنولوجي والتقني والذكاء الاصطناعي وبناء المهارات الرقمية والتعدين والفضاء والطيران وتعزيز فرص نمو الشحن بين البلدين وغيرها من المجالات الأخرى التي تعظم الفوائد والمنافع الوطنية وتنمي مقدراتنا وممكناتنا وتعزز من توجهاتنا المستقبلية.
كما لاحظ العالم مدى إعجاب الرئيس الأمريكي بشخصية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظه الله وثنائه الكبير عليه وانبهاره بما تحقق للسعودية من منجزات تنموية خلال فترة وجيزة من عمر الزمن كانت نتاج العمل الجاد والدؤوب ومخرجات رؤية المملكة الطموحة 2030.
وتابع العالم أيضاً مدى التغير الجوهري في سياسة الولايات المتحدة تجاه السعودية وقضايا العرب ومدى قوة الاستثمار السياسي السعودي الذي لا يعمل لمصلحته فقط وإنما لمصلحة شعوب المنطقة ومن منطلق ثوابته الراسخة ومنهجه السياسي الواضح والقويم عندما أعلن الرئيس الأمريكي ترامب عن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا الشقيقة واهتمامه بمستقبل لبنان، والعمل على إضفاء مظلة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وإشاعة العدل والسلام في العالم.
وعلى رتم هذه الزيارة المميزة وتأملي لبرنامجها الضخم عادت بي الذاكرة الى زيارة أخرى مشابهة قام بها الرئيس الأمريكي الأسبق (نيكسون) في عهد جلالة الملك فيصل رحمه الله واستقبله بمدينة جدة قبل أكثر من نصف قرن وتحديداً بتاريخ 24 جمادى الأولى 1394هـ الموافق للرابع عشر من شهر يونية 1974م وتأكيده في خطابه بهذه المناسبة على أهمية التعاون بين البلدين فقال: (إننا نقوم بهذه الزيارة بسبب وجيه هو ما أعربتم عنه جلالتكم وما أعرب عنه صاحب السمو الملكي الأمير فهد في زيارته الأخيرة لواشنطن ذلكم هو اننا على وشك أن ندخل أو نعبر العتبة إلى حلبة التعاون الوثيق في الميدان الاقتصادي وفي الميدان المتصل بالأمن ليس لما فيه مصلحة بلدينا بل لما فيه مصلحة العالم كله).
وكان جلالة الملك فيصل قد أشار في كلمته الترحيبية أيضاً الى تأكيده على استمرار وتقوية هذه العلاقات فقال: (إننا نسعى دوماً للحفاظ على الصداقة التي أرسي دعائمها جلالة الملك عبد العزيز بين شعب المملكة العربية السعودية والشعب الأمريكي وكنا نحرص دائماً على تنمية هذه الصداقة وتقويتها، وننصح أصدقاءنا في الولايات المتحدة الأمريكية بالحفاظ عليها وأن لا يتركوا لأي أحد فرصة الإساءة إليها).
وإزاء هذا الحدث الهام والتاريخي أجد أنه من الواجب علينا أن نشكر لضيف البلاد الرئيس (ترامب) ومرافقيه من القطاعين الحكومي والخاص هذه الخطوة العظيمة التي اختار فيها السعودية لتكون البوابة الرئيسية لبداية عهد جديد في ظل ما تشهده بلادنا في كل يوم من حراك تنموي فاعل وما تحقق من تحولات وقفزات حضارية مذهلة، ويحرضنا ذلك على رفع أكف الضراعة والدعاء للمولى عز وجل بأن يحفظ لنا قائد مسيرتنا المظفرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وأن يسدد ويؤيد قيادتنا الشابة النابهة سمو ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان الذي دائماً يصنع الفرق ويثبت للجميع أنه نموذج عالمي للقيادة والإرادة والريادة.