رسيني الرسيني
في خطوة أثارت اهتمام المراقبين على الساحة الاقتصادية الدولية، أعلنت المملكة عن نيتها رفع حجم الشراكات الإستراتيجية مع الاقتصاد الأمريكي، وذلك في منتدى الاستثمار السعودي - الأمريكي خلال الزيارة التاريخية للرئيس دونالد ترامب.
هذا الإعلان لم يكن مجرد حدث بروتوكولي، بل شكّل منعطفًا إستراتيجيًا يعكس حجم العلاقة المتينة بين الرياض وواشنطن، ويؤكد أن المملكة تتجه بثبات نحو موقع أكثر تأثيرًا في الاقتصاد العالمي، حيث إن ضخ هذا الحجم من الاستثمارات في أكبر اقتصاد عالمي يضمن للمملكة عوائد مالية مستقرة وطويلة الأجل، خصوصًا في القطاعات النوعية مثل التكنولوجيا وغيرها.
تاريخيًا السعودية وأمريكا تجمعها علاقة اقتصادية عميقة بدأت قبل 92 عاماً وتحديدًا 1933م بتوقيع اتفاقية امتياز للتنقيب عن النفط في المملكة مع إحدى شركات النفط الأمريكية، وزيارة الرئيس الأمريكي الأسبوع الماضي تعزز هذه الشراكة الإستراتيجية مع المملكة في مراحلها المختلفة، بدءًا من اقتصاد قائم على موارده الطبيعية إلى اقتصاد مبني على تنويع مصادر الدخل والمعرفة والابتكار، حيث إن تعزيز هذه الشراكة يتكامل بشكل مباشر مع أهداف رؤية 2030 التي تعمل على التحول غير المسبوق لتنويع الاقتصاد وتمكين القطاع الخاص ليكون محركاً رئيسياً للنمو في أكبر اقتصاد في المنطقة.
خلال الزيارة التاريخية وقع الشريكان على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإستراتيجية، التي تتضمن عددًا من مذكرات التفاهم تقدر قيمتها 600 مليار دولار، بشكل يدعم تعزيز التنوع الاقتصادي الذي تسعى المملكة فيه إلى التحرر من عباءة النفط الثقيلة. بالإضافة إلى أن هذه الاستثمارات ستنعكس بشكل مباشر على نقل وتوطين التكنولوجيا التي تتميز بها أمريكا، إذ أعلنت شركة أمازون ويب سيرفيسز وشركة هيوماين السعودية الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي عن خطط لاستثمار أكثر من 5 مليارات دولار في شراكة إستراتيجية لبناء منطقة للذكاء الاصطناعي داخل المملكة.
إضافة إلى ذلك، يعزز هذا التوجه من مكانة صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الذي بات واحدًا من أكثر الصناديق السيادية طموحًا ونشاطًا على مستوى العالم. فالمشاركة في صفقات نوعية مع شركات أمريكية عملاقة تمنح الصندوق فرصة لتعزيز نفوذه الدولي، وتكسبه خبرات إدارية وتقنية تسهم في دعم الاقتصاد المحلي عبر المشاريع المستقبلية التي يُخطط لإطلاقها داخل المملكة. كما تنعكس نتائج هذه السياسة الاقتصادية على البيئة الاستثمارية في السوق السعودي، حيث تسهم هذه الخطوة في تعزيز ثقة المستثمرين العالميين بالاقتصاد السعودي، وهو ما من شأنه أن يشجع تدفقات استثمارية أكبر إلى السوق المحلي.
حسنًا، ثم ماذا؟
لعل أحد الجوانب التي لا تقل أهمية عما ذكر أعلاه، هو أن مثل هذه الاستثمارات تعزز من النفوذ السياسي للمملكة على الساحة الدولية. فالمكانة الاقتصادية تمنح المملكة هامش تأثير أوسع في القضايا الإقليمية والدولية، وتوفر لها أدوات جديدة للتفاوض والدفاع عن مصالحها الإستراتيجية في ظل عالم تتحكم فيه لغة المصالح والشراكات.