صالح الشادي
فهد الربيق.. ليس مجرد فنان، بل هو كوكبٌ يتلألأ بجمالٍ أخاذ، ويرتقي بإنسانيته إلى آفاقٍ سماوية.
فنانٌ بَصَمَ الوجودَ بإبداعه، وسَطّرَ تاريخاً حافلاً بالوعي العميق والتجارب الثرية التي تُلهم الروح وتُحرّك المشاعر.
منذ نعومة أظفاري، وأنا أتتبع إنجازات هذا الفنان العظيم، مأخوذاً بتلك الدهشة التي تسبح في ألوانه، وإيقاع لوحاته الذي يُشبه أنغاماً موسيقية، وجنون فرشاته الذي يُحوّل اللوحة إلى قصيدةٍ بصرية.
ما يميّز الربيق هو أصالته الباذخة، وطعم الأرض التي نشأ فيها، تلك الأرض التي غذّت روحه حتى أصبح شمساً ساطعةً بجذورٍ من نور، تُضيء دروب الفن والإبداع وترسم الطريق للبراعم الواعية لتجد مكانا لها على خارطة الدهشة والجمال.
عندما أتوقف أمام إحدى لوحاته، أجد نفسي غائباً عن واقعي، مُنطلقاً في رحلةٍ تأخذني إلى حيث تفاصيل اللوحة، إلى زمانها ومكانها. أسمع همسات الرياح، وأشمّ عبق الزهور والمطر، وأتأمل في تعابيرها الدقيقة حتى ينتهي بي المطاف إلى همسةٍ خافتة: «سبحان الله».
الربيق لا يرسم فحسب، بل يجعل اللوحة تُناجي الروح، ويُحوّلك إلى زائرٍ مهذبٍ يرتقي بمشاعرك إلى أبعادٍ لم تكن تعرفها من قبل، ويعيدك إلى لغة الأرض الأولى، إلى مفردات العشق والحب والهيام.
تفاصيل الوطن تظهر في لوحاته بكلّ صدق: ترابها، طينها، أشجارها، حجارتها، صفاء سماء صيفها، وشاعرية مساء شتائها. كلّ ذلك يُعيد إلى بواطننا معنى الانتماء، ويُوقظ فينا الحنين، ويُذكّينا بقيمة الولاء.
الربيق لا يرسم، بل يأخذك من مكانك دون أن تشعر، ويُبحر بك في مفازاته وقراه وواحاته العليلة، حيث الجمال يتنفس بحرية.
هذه العبقرية الفنية لم تأتِ من فراغ، بل هي نتاج جهدٍ مبكرٍ، وشغفٍ عارمٍ، وحياةٍ مليئة بالتأمل والإنصات والإمعان في كلّ تفصيل، وتجربةٍ تلو الأخرى.
الربيق هرمٌ شامخٌ في دنيا الفن، وشاعرٌ جزلٌ استطاع أن يحوّل الفرشاة إلى قلمٍ يكتب به حكاياتٍ تخاطب الأرواح والذائقة قبل أن تخاطب العيون.
لن أتحدث عن تاريخه، فهو أغزر وأكبر من أن تُحيطه مقالة.
ولن أتحدث عن نقاء سريرته وإنسانيته، فهي شاهقةٌ لا يُدركها الوصف.
ولن أتحدث عن وفائه وروح الإيثار التي تعمر قلبه، فهي تتحدث عن نفسها دون حاجةٍ إلى كلمات.
حين ألتقيه، أجدني صامتاً في معظم الأوقات، مستمعاً بكلّ ذراتي إلى كلّ عبارةٍ يطلقها، وكلّ ملاحظةٍ يشير إليها.
هذا المعلم منجمٌ من العطاء، وأستاذٌ قديرٌ، ورمزٌ وطنيٌ لا يُمكن حصره في تعريفاتنا البسيطة.
فهد الربيق عالمٌ آخر، وكوكبٌ متفرد، وإنسانٌ بروح ملاك.
كلّ الحب لقلبه النقي، وكلّ التقدير لفنّه الذي يُحيي الروح.