إسراء كمال
نحن لا ننضج حين ينمو ضرس العقل، بل ننضج بعد أن نزيله، وبعد أن نزيل المرارة من أحشائنا والمرّ من أعماقنا، ونزيل من يراقبنا دون أن يحادثنا ، ومن يحدّثنا دون أن يحترمنا، ومن نراقبه بعد أن آلمنا..
نحن ننضج حين نلوّح توديعاً لوالدينا، مُحصّنين بالدعوات ومستزيدين بالنُّصح ومُحمّلين بالحب وآملين باللقاء..
نحن لا ننضج عندما نقرأ الكتب، بل حين نعترف بأننا لا نعرف، وأن كل علم أوتيناه قطرة، وأن كل مُرّ مَرَّ بحياتنا فترة، وأن لكل شيء أمدا، وكل شخص عابر هو عبرة. فالنضج مواقف وتراكمات أحداث، كيتيمٍ ليلة عرسه، وتماما، كغريق أنقذته الرحمة حين تخلى عن القشّة..
وفي سبيل الوصف، فالنضج نصاً هو الاكتمال والاستواء، واصطلاحا، هو أن تبلغ كل فكرة، وهاجس، وأمل وألم أشدّها حتى يستوي هؤلاء إلى هؤلاء، دون تحيّز لشعور دون الآخر، وشخصا فوق الآخر، وسبيلا على آخر، أما قمة النضج، فهي القناعة بعدم الكمال، وأن كل الأقدار ماهي إلّا خيرة، وأن زخات الخير تبدأ بقطرة..