عايض بن خالد المطيري
حين أُطلقت رؤية السعودية 2030، لم تكن مجرد خطة طموحة على ورق، بل مشروعاً وطنياً شاملاً يعكس عزيمة قيادة وشعب يتطلعان إلى صناعة مستقبل يليق بالمكانة الحقيقية للمملكة العربية السعودية.
اليوم، ونحن على بُعد سنوات قليلة من الموعد المستهدف، تظهر الأرقام والمؤشرات أن الحلم لم ينتظر موعده، بل تسارع بخطى واثقة نحو التحقق، حتى باتت العديد من أهداف الرؤية واقعًا ملموسًا في تفاصيل حياتنا اليومية.
ووفقًا لما أكده ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، خلال إعلانه التقرير السنوي لرؤية السعودية 2030، فإن السعودية تفخر بما حققه أبناؤها وبناتها في العام التاسع من إطلاق الرؤية، مشيرًا إلى أن الطموحات الوطنية تجاوزت التحديات، وأثبت المواطن السعودي أنه قادر على تحويل الطموح إلى إنجاز.
وقال سموه: «ونحن في عامنا التاسع من رؤية المملكة 2030، نفخر بما حققه أبناء وبنات الوطن من إنجازات، لقد أثبتوا أن التحديات لا تقف أمام طموحاتهم، فحققنا المستهدفات، وتجاوزنا بعضها».
وقد تضمن التقرير أنه في عام 2024، تجاوزت السعودية 93 % من مستهدفات برامج الرؤية واستراتيجياتها، وهي نسبة مذهلة تعكس قوة التخطيط ودقة التنفيذ. كما تسير 85 % من مبادرات الرؤية (أي 674 من أصل 1502) على المسار الصحيح، بينما تحققت 8 من أكبر مستهدفاتها قبل موعدها بست سنوات، وهو إنجاز نادر في تجارب التحولات الوطنية الكبرى. وهذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل انعكاس مباشر على المجتمع، والاقتصاد، والتنمية المستدامة.
فعلى سبيل المثال، ارتفعت نسبة تملك الأسر السعودية لمساكنها إلى 65,4 %، متجاوزة بذلك عقبة كبيرة كانت تقف طويلًا أمام الاستقرار الأسري. أما مشاركة المرأة في سوق العمل فقد بلغت 33,5 %، متجاوزة الهدف المحدد بـ 30 %، مما يؤكد نجاح برامج التمكين التي لم تكتفِ بالشعارات، بل تحولت إلى فرص حقيقية ومؤثرة.
وفي الجانب الصحي، أُدرجت سبعة مستشفيات سعودية ضمن أفضل 250 مستشفى عالميًا، بينما شهد قطاع التعليم إنجازًا مماثلًا بانضمام أربع جامعات سعودية إلى قائمة أفضل 500 جامعة عالميًا، ما يدل على جدية السعودية في تطوير الإنسان بوصفه محورًا رئيسيًا في مسيرة التنمية. كما تجاوز عدد المتطوعين 1,2 مليون بنهاية عام 2024، في تجسيد حي لقيم المسؤولية المجتمعية وروح المبادرة لدى المواطن.
أما في قطاع الاقتصاد، فقد جذبت السعودية أكثر من 571 مقرًا إقليميًا لشركات عالمية، وعززت مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي لتصل إلى 47 %. وفي الوقت ذاته، أعادت الحياة إلى أكثر من 118 ألف هكتار من الأراضي المتدهورة، في تأكيد على أن التنمية البيئية تسير جنبًا إلى جنب مع التوسع العمراني والاقتصادي.
هذا التقدم السريع والمبهر لم يأتِ من فراغ؛ بل بُني على أسس متينة من الحوكمة الفعالة، والرؤية الاستشرافية، والاستثمار في الإنسان، والتقنية، والموارد. ويمكن القول بثقة إن تجربة السعودية في تحقيق رؤية 2030 تمثل نموذجًا عالميًا في كيفية الانتقال من التحديات إلى الإنجازات، ومن الأهداف إلى الحقائق.
لكن، ورغم كل ما تحقق، لا تزال الفرصة مفتوحة أمام المزيد من التطوير. ومن المهم أن يستمر التركيز على تحفيز الشباب، وتوسيع الشراكات مع القطاع الخاص، وتعزيز ثقافة الابتكار والإنتاج، مع ضرورة تمكين جميع فئات المجتمع من المساهمة الفاعلة في بناء المستقبل.
زبدة الكلام: رؤية السعودية 2030 لم تعد مجرد أفق ننتظره، بل صارت واقعًا نعيشه كل يوم. إنها دعوة مفتوحة لكل مواطن ومواطنة ليكونوا جزءًا من هذا التحول التاريخي، لأن الوطن لا يُبنى إلا بسواعد أبنائه، ولأن الحلم السعودي لا يعرف المستحيل.