هويدا المرشود
هل فكرت يومًا أنك قد تكون شخصًا آخر أمام مرآتك؟
إن صورتك التي تراها ليست إلا قناعًا يعكس ما تود أن تكونه، لا ما أنت عليه حقًا؟
قد تمر بك لحظة لا تعترف فيها بصورتك. لا شيء يختلف في الشكل، ولكنك فجأة تجد أن من كنت تراه طوال حياتك لم يكن سوى تجسيد لأحلامك أو مخاوفك.
ما الذي يحدث عندما تغيب صورتك؟
ما الذي يكشفه غيابها عنك؟
هل نحن مجبرون على العيش وفق هذه الصورة، أم أن الحقيقة تتطلب أن نلتقط أنفسنا بعيدًا عنها؟
السؤال هنا: هل نحن فقط ما نراه في المرايا، أم أننا أكثر من ذلك بكثير؟
التحوّلات الهادئة:
- التحوّل لا يُعلن عن نفسه.
لا يحدث التغيير العميق فجأة، بل يتسلل بهدوء، تمامًا كما يحدث في الطبيعة. الحركات الصغيرة التي لا نلاحظها، تغيّر الجبال. هكذا هو التحوّل في حياة الإنسان، غير مُعلن، لكنه حتمي، لا يعرف التراجع. وكما يقال في فيزياء الطبيعة: «كل حركة تخلق زلزالًا صامتًا».
- الفراغ ليس خلوًا... بل امتلاء ينتظر التعريف.
قد نعتقد أن الفراغ يعني انعدامًا، لكن الحقيقة أن ما نراه فراغًا هو في الواقع حقل غير مُعرّف بعد، طاقة لم تكتمل بعد. لحظات الشك أو العزلة هي التي تدعونا لنملأ هذا الفراغ بأفكارنا، بمشاعرنا، بصوتنا الداخلي. ونظل في دائرة محاولة التعريف والبحث عن معنى. ليس الفراغ هو غياب الوجود، بل هو غياب التعريف الذي يجعل الوجود شيئًا واضحًا.
- أحيانًا، الفقد لا يسلبك شيئًا... بل يردّك إلى أصلك.
الفقد ليس مجرد غياب شيء مادي، بل هو إعادة ترتيب للوجود. نمرّ بفقد شخص أو لحظة أو فكرة، لكننا نكتشف أن الفقد هو دعوة للتصفية، دعوة لترك ما لا يفيد والتمسك بما هو جوهري. الفقد يحثنا على العودة إلى الجذور، إلى ذاتنا الحقيقية. كما تقول الفلسفة القديمة: «لا تكمن القوة في امتلاك الأشياء، بل في قدرتك على التخلي عنها».
اللحظات التي لا يمكن أن تعاد:
كل لحظة تنقضي هي فرصة للغرق في تفكير عميق حول من نحن.
لكن ما الذي يحدث عندما نغرق في تفاصيل اللحظة؟ هل نعيش كل لحظة كما هي، أم أن الأيام تتدافع علينا وتلتهم أنفسنا في غمرة العجلة؟
هذه اللحظات هي التي تفضحنا، تُظهر لنا بوضوح من نكون حقًا عندما نصبح عراة من الأقنعة التي اخترنا أن نرتديها طوال حياتنا. قد تظن أنك تدير حياتك، لكن عندما تغيب صورتك، تبدأ الحياة هي من تديرك.
الروح لا تقاس بالزمن:
تظل الروح تبحث عن معاني أعمق مما يظهر أمامك. حتى وإن بدوت ثابتًا في مكانك، فإن روحك تُسافر عبر الزمن، تتنقل بين لحظات الماضي والمستقبل.
الزمن ليس محكومًا على الدوام، هو وهم يفرض نفسه على أجسادنا، لكن الروح لا تعرف حدودًا له.
لن نتوقف عن البحث عن أنفسنا في عيون الآخرين. لكن الحقيقة هي أننا لا نجدنا إلا حين نغيب عن تلك المرايا.
لسنا مجبرين على أن نصدق الصورة التي نراها، لأننا أحيانًا نكون أكثر من ذلك بكثير. وعندما تغيب صورتنا، حينها فقط يمكننا أن نرى الحقيقة في وضوح، في نقاء، بلا تشويش.
يقول الله عزوجل في آياته: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ» (فصلت: 53).
إذن، ربما تكون الحقيقة لا تكمن في ما نراه، بل في ما نغفل عنه؛ لأنك، حين تغيب صورتك، تظهر حقيقتك.