أ.د.صالح معيض الغامدي
على الرغم من تزايد عدد البرامج التلفازية التي تعنى بتقديم سير الأشخاص الذاتية هذه الأيام، وتنوع أشكالها وتقنياتها، إلا أنها كلها تقوم على لقاء أو حوار مرئي (وأحيانا مسموع إن كان البرنامج مسموعا فقط) يجريه مقدم البرنامج مع ضيوفه المختارين، هدفه الرئيس عرض سيرة الضيف على لسان صاحبها، بتوجيه من مقدم البرنامج، بطبيعة الحال، الذي عادة ما يعد أسئلة اللقاء مسبقا وربما يطلع عليها ضيفه قبل البدء في محاورته، إضافة إلى تقديم الأسئلة الجديدة الفورية التي يولدها اللقاء أو حتى يحتمها.
وفي أغلب البرنامج السيرذاتية التي تحترم ضيوفها وسيرهم وتحترم كذلك مشاهديها، يقوم معد البرنامج ببحث واستقصاء دقيقين حول سيرة ضيفه وتجاربه الحياتية، وذلك لكي يكون قادرا على أن يخرج أو يستخرج لنا نحن المشاهدين سيرة ذاتية جذابة وماتعة ومفيدة من ضيفه، اعتمادا على جودة الأسئلة التي يطرحها والبناء الفني الذي رسمه المقدم لسير أحداث السيرة في برنامجه.
ومعلوم أن العلاقة بين المحاوِر والمحاوَر في هذا الضرب من السير الذاتية المرئية علاقة تعاونية أو تشاركية، فالمحاوِر هو الذي يسيّر سيرة ضيفه ويوجه معالمها ويرسم إيقاعاتها، والمحاوَر أو الضيف صاحب السيرة هو الذي يقرر في النهاية ما يمكن اعتماده من مخططات المحاور وتوجيهاته، وما يمكن تعديله منها أو التحايل عليه أو حتى إهماله ورفضه..
وتتفاوت بطبيعة الحال قدرات المحاورين في استخراج أبعاد سيرذاتية ماتعة ومفيدة وجذابة لضيوفهم وفق اعتبارات عديدة تتصل بقدرات المحاوِر لا مجال لحصرها هنا، ولعل من أهمها الإعداد الجيد للقاء كما ذكرنا، وخلق شعور مريح لدى الضيف ومحاولة تبديد أي شعور بالارتباك والتوجس وحتى الريبة. والمحاورون بالتأكيد يختلفون في هذا الأمر، فبعضهم لديه القدرة على خلق هذه الأجواء الحميمية لدى ضيوفه أكثر من بعضهم الآخر.. وقد يكون من المفيد التمثيل هنا على هذه المهارة في التعاطي مع ضيوف برامج السيرة الذاتية ما شاهدته في برنامج توثيق السير الذاتية الشفوية الذي سجلته مكتبة الملك فهد، وكان مقدم البرنامج في الحلقات التي شاهدتها هو الأستاذ محمد القشعمي. وقد استعمل القشعمي استراتيجية جملية أعجبتني كثيرا في تبديد مشاعر الارتباك والتوجس لدى ضيوفه عندما كان يقول لهم إن هذا البرنامج ليس للعرض الآن، بل للتوثيق، علما بأنهم يعلمون تماما أنه سيُشاهد في النهاية لا محالة. ولقد استطاع القشعمي من خلال توظيف هذه الاستراتيجية استدراج كثير من التجارب الجميلة والثرية في حياة هؤلاء الضيوف. ولا شك أن لدى أصحاب البرامج السيرية الأخرى بعض الاستراتيجيات الأخرى التي يمكنهم توظيفها لإثراء برامجهم السيرذاتية.
ولعلي أختم هذا المقالة بالإشارة إلى خطر حقيقي يتهدد نجاح هذه البرامج السيرذاتية وهو خطر محاولة مقدم البرنامج السيطرة والهيمنة على مجريات اللقاء إما بالحديث المستمر، أو بمقاطعة الضيف، أو باستعراض المعلومات التي جمعها حوله عند الإعداد للبرنامج، الأمر الذي يؤدي إلى تحجيم دور الضيف صاحب السيرة ويفقر سيرته الذاتية، بل إنه قد يحولها إلى مجرد سيرة غيرية ضعيفة يقدمها مذيع البرنامج عن ضيفه!