سهام القحطاني
«ما أروع وما أسوأ أن تكون امرأة».
غادة السمان.
يمكن تقسيم الاتجاه النسوي عند الغذامي إلى خطابين «خطاب فحولة اللغة» وخطاب اللغة الأنثوية» علاقة المرأة مع اللغة وتحولها من «موضوع لغوي إلى ذات فاعلة تعرف كيف تُفصح عن نفسها، وكيف تُدير سياق اللغة إلى خطاب بياني يجد فيه الضمير المؤنث فضاء للتحرك.» المرأة واللغة.
يعقب الغذامي على مقولة عبدالحميد الكاتب»خير الكلام ما كان لفظه فحلا و لفظه بكرا» باعتبارها « قسمة ثقافية يأخذ فيها الرجل أخطر ما في اللغة اللفظ،و للمرأة المعنى، ولاسيما وإن المعنى خاضع وموجه بواسطة اللفظ».
وهذا التقسيم أخرج المرأة حقبا أدبية من صناعة اللغة كفاعل أو «كائن قائم بذاته» وحصرها في الصفة المجازية والكنايات والحكايات.
وأبرز خصائص خطاب فحولة اللغة؛ أولا: ريادة الرجل لتاريخ الكتابة وتحكّمه في الخلفية التاريخية اللغوية على مستوى الصياغة الثقافية واستثاره بفعل الكتابة وإحالة المرأة إلى فعل الحكي»وهذا التقسيم «أدى إلى إحكام السيطرة على الفكر اللغوي و الثقافي و على التاريخ».
ثانيا:بما أن الأصل في الكتابة الفحولة وهو أصل يمثل كجوهر للحقيقي و الواضح،في حين تُصبح المرأة ككائن لغوي سوى»مجاز يكتبه الرجل ويًنسجه حسب دواعيه البيانية و الحاتية».
وهذه السيطرة على أصل الكتابة وتحول اللغة إلى فحوليّة مقصودة،كان له أثر عندما انتقلت المرأة من «موضوع لغوي إلى ذات لغوية» جعلها «أمام أسئلة حادة عن الدور الذي يمكنها أن تصطنعه لنفسه في لغة ليست من صنعها وليست من إنتاجها».
وهل أزمة «الهوية اللغوية الناتجة عن هذا الانتقال ستؤثر في اختياراتها اللغوية هل تبقى محتفظة بالهوية الأولى للغة في مسارها الفحولي «وتمارس اللغة واللفظ الفحل وتظل مع هذه محتفظة بأنوثتها أم أنه لزمها أن تسترجل لكي تكتب وتمارس لغة الرجل؟»
وهل هذا المسار الفحولي للغة سيستعمر لغتها أو سوف تستطيع أن تتحرر منه و تصمم لغتها الخاصة بخصائصها الأنثوية بعد انتقالها من خطاب الحكي إلى خطاب الكتابة هذه النقلة النوعية «من مسألة الإفصاح عن الأنثى» والتحرر من خطاب المتكلم العليم-الرجل-الذي كان يمثل»المُفصح عن حقيقتها وصفاتها» إذ أصبحت هي المتحكم في القلم وسيلة إشهار ذاتها اللغوية كمعنى ودلالة معا هذا و تأنيث القلم «الذي ظل أداة ذكوريّة»وكان هذا هو الاختبار الحقيقي لهذا التحول النوعي هل تستطيع أن تجعل «من لغة الآخر لغة للأنوثة؟»و تخلق من خلال إبداعها خطابا لغويا أنثويا وليس خطابا أنثويا بلغة فحوليّة.» وتجعل الأنوثة معادلا إبداعيا يوازي الفحولة ولا يقل عنها» هذا الاختبار والتحدي الذي خاضته المرأة في العصر الحديث عندما أصبحت ذاتا كاتبة «تأنيث اللغة» فهل نجحت في «تأنيث اللغة؟».
ليست الكتابة الإبداعية هي التي تُحول المرأة من موضوع إلى ذات لغوية فاعلة فقط بل هناك «العلم» أو كما أسماها الغذامي في كتابه الجنوسة النسقية «النظرية بوصفها امرأة» فالنظرية تعني أنها» الأداة المتوخاة لكسر النسق الفحولي وطرح الأسئلة النقدية على التصور المهيمن للأنساق الثقافية التي احتكر الرجل فيها الكتابة وعالم النص إنتاجا و تأويلا» كما يرى أن «النظرية بوصفها امرأة» فتحت باب التنافس بين الجنسين في كافة أشكال و مستويات الإنتاج المعرفي، لِيُشير هذا التوصيف إلى «جوهر التغيّر المعرفي في مقام السؤال النقدي وقيمته وإعادة تأويل الخطاب» وحدث ذلك بفضل تحول السؤال المعرفي من بنيته الفلسفية التي كانت محصورة في الاستعمار الفحولي إلى البنية اللغوية التي تتحكم فيها النظرية النقدية والتي أتاحت للمرأة المشاركة في إعادة صياغة الأسئلة و بنى دلالاتها و معانيها نظرية تُزيح الهيمنة وتصنع نموذجا للتعددية الثقافية».
فهل استطاعت المرأة من التخلص من فحولة اللغة في صناعة خطابها اللغوي؟و تأتي إجابة هذا السؤال عند الغذامي بعرض إحالات الضمائر عندهن ليتضح «سيطرة الضمير المذكر في كل حالة تجريد وكأن المرأة لا تُحسن إلا إذا فكرت في هذه الذات بوصفها ذكرا.»-المرأة واللغة، وبذلك فخضوع المرأة لأعراف اللغة باعتبار «أن الفصاحة ترتبط بالتذكير» .و تآلفها حقبا طويلة معها واستسلامها لسياق التذكير وضمائره ليظل ضمير اللغة و باطنها»رجلا فحلا».
حتى تجد مخرجا عندما «تفقد قدرتها على التنفس إذا ما غاصت في أعماق اللغة لذا تستنجد بأوكسجين اللغة المذكر لكي تجد طريقها في مسارب الخطاب ومغاور التعبير».
لقد ناقش الغذامي قضية النسوية من خلال اللغة وصورة المرأة في الإبداع ومدى نجاح المثقفة العربية في التخلص من أزمة هويتها اللغوية من خلال تحليل خطابها.
إن المرأة في زمن ما بعد النسوية استطاعت أن تتحرر من سلطة الأنثوية اللغوية لتركز على دورها التنافسي في بناء منهجية و إنجاز علميين بجوار الرجل وخارج صراع الجنوسة و الجندرة.