د.عوض بن إبراهيم ابن عقل العنزي
هناك فرقٌ جوهريٌّ بين (التاريخانية الجديدة) و(دراسات التابع)، مثلما أن هناك فرقًا بين ستيفن غرينبلات، مؤسِّس التاريخانية الجديدة، الذي يستدعي ميشيل فوكو فلسفيًا، وبين غاياتري سبيفاك، التي تنتمي إلى دراسات التابع، وما بعد الكولونيالية، والنقد النسوي الراديكالي.
أولًا: الأرشيف في التاريخانية الجديدة.
الأرشيف في هذا السياق ليس مجرّد سجلٍّ للماضي، بل هو أداة قمع معرفي بيد السلطة، يُنتج ما يُمكن قوله، ويُقصي ما يجب نسيانه، وبذلك يوصف (الأرشيفُ) بأنَّهُ سجن معلوماتي يتحرّك فيه (المرسل) أو (النَّاص) ضمن حدود اللغة والتمثيلات والخطابات المسموح بها.
ونتيجةً لكون (الأرشيف) (أداة قمعٍ معرفيٍّ)؛ فإن كلَّ ما يُقال داخل هذا الإطار إنما يُنتج من داخل آلية الرقابة الثقافية، ولا يُمكن النظر إليه كصوت حرّ، بل كأثر لهيمنة السلطة على اللغة والمعنى.
ثانيًا: الأرشيف في دراسات التابع.
أما في دراسات التابع، فالأرشيف لا يُمثِّل التابع، بل يُمثِّل صوت المركز الذي سُمح للتابع أن ينطق باسمه أو على مقاسه، فما يُنسب إلى (الذات المهمّشة) هو في الحقيقة إعادة إنتاج للسلطة المركزية داخل صوت التابع نفسه.
وحين نفكّك الأرشيف الذي يحتوي هذا الصوت، لا نصل إلى التابع، بل نصل إلى تمثيل السلطة للتابع.
ثالثًا: النتيجة العامة.
لا يمكن - في ضوء المنهجين معًا - أن نُعامل النص المفكّك بوصفه وثيقة مقاومة، بل يُعامل النص على أنه تجلٍّ من تجلّيات هيمنة السلطة وأيديولوجيا المركز.
الخلاصة النظرية:
في كلٍّ من التاريخانية الجديدة ودراسات التابع لا يُفكَّك النص بحثًا عن صوت حرّ، بل عن أثر الهيمنة؛ لأنَّ الأرشيف ليس ذاكرة، بل شرط سلطوي لإنتاج ما يُقال، وبذلك يصبح (النص) جزءًا من (الخطاب) لا خطابًا مستقِلًّا.
ومن يتكلّم داخل هذا الأرشيف، إنما يعيد -بشكلٍ ما- صوت المركز، حتى حين يظن أنه يعارضه. ولذلك، فالنص ليس أداةَ مقاومة، بل هو مرآة لحقيقة تغلغل السلطة في القول الممكن.