أ.د. محمد خير محمود البقاعي
يقول ألكسندر دوما في تقديمه لسردية: يوميات رحلة إلى بلاد العرب = Alexandre Dumas, avant-propos au Journal d’un voyage en Arabie. التي أعاد نشرها، وعلَّق عليها الدكتور لويس بلان الذي افتتح كتابه بقول دوما؛ «عندما ألمح زياً عربياً، أحس أن الجناحين اللذين خصني بهما الله في مخيلتي بدلاً من أن يثبتهما على كتفي. ذينك الجناحان ينفتحان وحدهما، وأنا على أهبة الطيران نحو بلاد الأحلام الذهبية».
وقد نشر الدكتور والمؤرخ والدبلوماسي والمستعرب لويس بلان Louis Blin تلك السرديات التي صاغها وعلق عليها، وسعى في نشرها الأديب الفرنسي والمؤرخ ألكسندر دوما سعى السيد بلان إلى نشرها في كتاب باذخ ما زلنا ننتظر أن تحظى ترجمته العربية بناشر يقدر مثل هذه الكتب، ويبذل في سبيل وضعها لأول مرة بين أيدي القارئ العربي.
وعنوان الكتاب بالفرنسية:
Alexandre Dumas: Récits d»Arabie, L»Harmattan, 2022
= ألكسندر دوما، سرديات بلاد العرب، نشرها وعلق عليها لويس بلان، دار نشر لارماتان، 2022م.
إن استعراض هذه السرديات التي أرخت لمدة طويلة من النفوذ الفرنسي في مصر بعد فشل حملة نابليون على مصر، ووصول محمد علي إلى السلطة.
لقد كتب لويس بلان فضلاً عن تعاليقه على هذه السرديات وتقديمها في حلة جديدة صفحات طويلة موثقة عن «نابليون والدولة السعودية الأولى»، ولم ينشرها بعد بانتظار استكمال بعض المعلومات التي تجعل عمله جامعاً مانعاً كما اعتدنا على ذلك. عنوان الدراسة: نابليون والدولة السعودية الأولى، Napoléon et le premier Etat saoudien وافتتحها بقوله: «إنه لمن المؤكد أن نابليون كان رجل الشرق وليس رجل أوروبا».
وأنشر في هذا التقديم رسالة السيد بلان إليّ بتاريخ 20/3/2024م يقول: (تجد برسالة مرفقة النسخة الفرنسية المؤقتة لمشروع مداخلة أنوي إلقاءها بالإنجليزية في ندوة «مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية» الذي نعقده في الرياض بتاريخ 4 مايو «أيار»، بعنوان: «أوروبا وبلاد العرب».
إن وفرة المصادر التي وجدتها دفعتني إلى الاقتصار على المدة الواقعة بين عاميْ 1800 - 1811، ولكنني أسعى في طبعة لاحقة إلى إضافة فصل عن «بونابرت وبلاد العرب إبان حملته على مصر». (الاتصالات مع شريف مكة والمعارك ضد القبائل الحجازية الموالية للسعوديين في صعيد مصر)، وفصل آخر عن المدة بعد عام 1811م).
وأنوي بعون الله ترجمة هذا الكتاب في نسخته المعدلة والتقديم له والتعليق عليه. بعد الانتهاء من نشر بحث جبريل غيمار.
وقد وجدنا في التقديم لمقالة الأسبوع الماضي إشارة إلى مقالة الأستاذ يوسف بن عبد الرحمن الذكير: «احتلال الدرعية وحِراب الحملة الفرنسية» لشعوره أن الحملة كانت توطئة للهجوم على الدولة السعودية الأولى بحراب الفرنسيين الذين قدموا محمد علي وزودوه بالدعم العسكري لأسباب ذكرناها آنفا.
وأشير أيضاً هنا إلى بحث الأستاذ مصطفى الأنصاري المنشور بتاريخ الأحد 24 يناير 2021، في موقع INDEPENDENT عربية، بعنوان: بماذا أغرت «الدولة السعودية الأولى» نابليون؟
وقدم فيها عرضاً مستفيضاً لبحث الدكتور لويس بلان، فقال: «وفي دراسة حديثة، تتبع الدبلوماسي الفرنسي لويس بلان خيوط العلاقة المبكرة بين فرنسا والدولة السعودية الأولى وسط الجزيرة العربية، وعاصمتها «الدرعية» التي غدت جزءاً من الامتداد العمراني لمدينة الرياض، على الرغم من احتفاظها بخصوصيتها السياسية والتاريخية».
وهذا أوان العودة إلى تقرير غيمار، يقول: لقد أوصى ألكسندر دوما، في تقديمه للسردية، القائمين على صحيفة الأوردر L»Ordre (جريدة فرنسية نابليونية يومية صدرت بين عاميْ 1871 و1914م) بصديقين مقربين «هما السيدان؛ أرنو وفايسيير، وبكتابهما، فقال: «عندما ترون صديقَيَّ… يغلب على ظنكما أنهما عربيان، ولكن عندما تتوجهون بالحديث إلى فايسيير تكتشفون أنكم مخطئون.
إنكم ستجدون في حديثه الخيال والغرابة اللانغيدوكسية languedocienne «نسبة إلى منطقة لانغدوك Languedoc وهي مقاطعة فرنسية سابقة أصبحت الآن ضمن إقليم أوكسيتاني في جنوب فرنسا، وكانت عاصمتها طولون، وتتميز بلهجتها العميقة).
الخيال والغرابة اللذان يرافقان تلك اللهجة الجنوبية التي تجعلك أو ستجعلك إن أغمضت عينيك تعتقد أنك تستمع إلى «جوزيف» ميري (1797- 1866م) Joseph Méry يحدثك عن بلده فلوريدا، وهو في غاية السرور.
(وميري كاتب فرنسي له كتاب عنوانه: فلوريدا، La Floride نشر عام 1853م
وإن ذهبنا أبعد من ذلك فإن فايسيير هو تجسيد السرد.
أما أرنو Arnaud القادم من منطقته الباس - ألب (Basses Alpes) «التي ظلت تحمل هذا الاسم حتى عام 1970م، وتقع جنوب شرق فرنسا» فلم يكن ممن هُجِّروا إلى المكسيك كما جرت العادة في بلده بارسولونيت Les Barcelonettes (وهي بلدة في مقاطعة الألب دو هوت بروفانس Alpes-de-Haut Provenc).
وفي عام 1833م، ولما قارب سنه الواحدة والعشرين ركب البحر إلى الإسكندرية، وقدم نفسه في القاهرة لـ كلوت-بيه Clot-Bey، ولم يمض وقت طويل حتى جرى قبوله بصفة صيدلي، وبهذه الصفة رحل إلى الحجاز في نهاية عام 1835م، في حاشية إبراهيم باشا الصغير، حفيد محمد علي وحاكم القسم [166] المصري (ولا ينبغي الخلط بين هذا الوجيه وبين إبراهيم باشا الابن المشهور للباشا الكبير الذي يحمل الاسم نفسه).
وعندما اضطرت الحكومة المصرية بعد أحداث عام 1840م إلى الانسحاب من بلاد العرب لم يرحَّل أرنو لأنه ارتبط بقنصل فرنسا في جدة، المستشرق فلوجانس فرينيل (1795- 1851م) Fulgenue Fresnel.
وبعد حين 1843م حزم أرنو أمتعته لاستكشاف ما تبقى من آثار مدينة مأرب، سبأ قديماً، وسدها، وعاد من تلك الحملة المرهقة وبحوزته 65 نقشاً حميرياً.
لقد كان ذلك في المدة التي استُقْبِل فيها «فرانسوا إكزافييه روشيه ديريكور (1801 - 1854م) François Xavier Rochet d»Héricour في بلاط ملك منطقة خوا.
(وديريكور تاجر ومستكشف فرنسي، كان لمدة قصيرة في عام 1850م نائب قنصل في مصوع. نال منه شارل ديدييه في رحلته إلى الحجاز عام 1854م).
وفي هذه المدة كانت بعثة «تيوفيل» لوفيفر (1811- 1860م) «Théophile» Lefebvre
(ضابط بحرية، ورحالة فرنسي، أهم كتبه، وفيه حديث عن هذه البعثة بعنوان: رحلة إلى الحبشة: إبان سنوات 1839, 1840, 1841, 1842, 1843م…. أنجزتها بعثة علمية مكونة من تيوفيل لوفيفر وآخرين =
Voyage en Abyssinie : exécuté pendant les années 1839, 1840, 1841, 1842, 1843 ... / par une commission scientifique composée de Théophile Lefebvre [e. al.]
والأخوين دابادي: «أنطوان (1810- 1897م)
(مستكشف وفيزيائي وجغرافي ولغوي كان في عام 1892م رئيساً لأكاديمية العلوم، وله مع أخيه أرنولد تاريخ حافل في العلوم والاستكشاف في الحبشة).
وأرنولد» (1815- 1893م) Antoine et Adrnulde d»Abbadie.
وقد كتب أنطوان دابادي عن رحلة أخرى مع لوفيفر عنوانها: أنطوان دابادي، الإعلان عن مشروع رحلة من تونس إلى تشاد برفقة شارلمان تيوفيل لوفيفر 5 مارس 1836م، رسالة من الجمعية الجغرافية، 1836م=
Antoine d’Abbadie «anonnce un projet de voyage de Tunis au Tchad en compagnie de Charlemagne Théophile Lefebvre, 5 mars 1836», Correspondance de la Société de géographie, 1836(.
كانت البعثة قد شرعت في الاستكشاف العلمي لإثيوبيا.
لقد كان استكشاف آثار سبأ موضوعاً لتذكرة كتبها فرينيل Fresnel، وأرسلها للمجلة الآسيوية (1854م). وفي عام 1847م حصل أرنو على مهمة رسمية للذهاب إلى اليمن لمتابعة أبحاثه هناك. وقد قابل جان ألكسندر فايسيير خلال هذه المهمة، كما ذكرنا آنفاً. واتجها معاً إلى السويس، ومنها إلى الحديدة، ثم إلى زبيد؛ عاصمة تهامة القديمة، ومرا للسلام بها على وجيه اسمه السيد سالم. ولكن إمام صنعاء كان في هذه المدة بالتحديد قد هبط من جباله لمعاقبة مجرم متمرد.
(حاشية 1، ص 166: إن هذا السيء الخلق «يقصد المدعو محمد آغا الملقب: تركي بيلميزTurki Bilmez.
تمرد إبان خدمته في صفوف الحامية التركية في جدة عام 1832م مدعوماً من الباب العالي الذي كان حينئذ في حرب ضد محمد علي. لقي المتمرد الهزيمة، واضطر للهرب إلى اليمن، فتبعته القوات المصرية حتى المخا التي هرب منها على متن سفينة بريطانية».
(تتمة الحاشية 1 ص 166: لقد سبق لهذا السيء الخلق التمرد كما جاء في كتاب: رحلة إلى اليمن لعالم النبات «بول إيميل» بوتا (1802- 1870م) «Paul-Emil» Bota، 1841م، ص 10= suivant le Voyage de l» Yémen, du botaniste P. E. Botta, 1841, p. 10).
(والعنوان الكامل للكتاب: قصة رحلة في ربوع اليمن شرع بها الرحالة عام 1837م، بتكليف من متحف التاريخ الطبيعي في باريس، تأليف بود إيميل بوتا، مسبوقة بنبذة عن المؤلف بقلم شارل لوفاسور، 172 ص، Ch. Levavasseur نشر باريس، دو سويي وأبنائه de Soye et fils، 1880=
«Relation d»un voyage dans l»Yémen, entrepris en 1837 pour le Muséum d»histoire naturelle de Paris, par Paul-Emile Botta, précédée d»une notice sur l»auteur par Ch. Levavasseur,..., In-8° , 172 p., portr., Edition : Paris : E. de Soye ، et fils , 1880).
لقد كان ينبغي على رحالَيْنا أن ينسحبا منذ بداية المواجهة إلى الحديدة، ثم وجدوا أنفسهم مضطرين للهرب من موقع خطير؛ هو مسرح للمواجهات العدائية.
لقد عبرا البحر الأحمر في طقس لا يحتمل، ورست مراكبهما في مصوع. لقد وجد أرنو، المريض، الذي يشرف على الموت جراء أزمة روماتيزم حادة، وجد نفسه، مضطراً للبقاء متسمراً على متن المركب في المرسى. ولكن فايسيير، الذي كان في ميعة الصبا، وفي صحة جيدة أطلق نداء استغاثة. «ولما اطمأن فايسيير على صحة أرنو» انصرف إلى الصيد بحماسة. وفجأة تبدت له جماعة من الأحباش تنهب مناطق الشاطئ. ففر الرحالان من جديد عبر البحر. واستطاعا الوصول إلى جدة، حيث وجدا [167] فرينيل منغمساً في الاستعداد لمهمة جديدة أجبرته على مغادرة موقعه لينتقل إلى الموصل.
وبعد حين عاد الرجال الثلاثة فرينيل وأرنو وفايسيير إلى القاهرة، وقاموا بجولة في مصر العليا، ثم عادوا إلى فرنسا. ولنا لقاء.