سلمان بن محمد العُمري
اعتدنا ونحن في سن الصغر على الجد والجدية في البيت والمدرسة، وكان الغياب أو التأخر عن المدرسة كبيرة من الكبائر؛ فعلينا أن نذهب للمدرسة حتى وإن كنا مرضى ومتعبين، واليوم نسمع ونرى من التراخي من المدرسة والبيت في حضور وانصراف الطلاب والطالبات على حد سواء وكثرة غيابهم بعذر أو بدون عذر، ومع تعدد الإجازات القصيرة ومواسم الاختبارات يسبق هذه الإجازة ويعقبها أيام غياب حتى أصبحت عادة مألوفة وعرفا متبعا.
إن انعكاس هذا الغياب ليس على التحصيل العلمي في العام الدراسي فحسب، بل سيتعداه إلى قادم الأيام وفي المستقبل لأن الإنسان يتأثر بمراحله العمرية الأولى، وينعكس ذلك على حياته مستقبلاً سواء أكان ذلك تعليماً أو نفسياً أو اجتماعياً، وحينما ينشأ الطالب أو الطالبة على التكاسل والتراخي والتسيب فلا تأمل منه مستقبلاً أن يكون جاداً ومنضبطاً، وكذلك في الأخلاق والعادات، وكما قال الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان منا
على ما كان عوده أبوه
وكلما كان الطفل والتلميذ معتاداً على الجدية والانضباط والأخلاق والسلوك والجو الاجتماعي والنفسي الحميد، انعكس ذلك سلوكياً بالإيجابية، والعكس كذلك، ولذا فينبغي للآباء والمربين أن يغرسوا الجدية في نفوس الأبناء منذ الصغر، وأن يلزموهم بالالتزام ويحذروهم من الأمور التي تقضي على الجدية في حياتهم، ومن أهمها التراخي والتسويف في تعليمهم وسائر أمورهم، ومن لم يجعل الالتزام شعاره منذ صغره ولم يتعود عليه ولم يُلزم به فسيكون هملاً، وكلما جاء طريق وسبيل للخير الديني والدنيوي صرفه لعل وعسى «وبعدين»!.
وهكذا لا يزال التسويف والتثبيط والتراخي ديدن الشباب حتى يلتفت ويرى الطيور قد طارت بأرزاقها، ومن ثم يندم ولات ساعة مندم، ولم يعلم من قبل أن الفرصة التي تأتي الآن ربما لا تأتي بعد ذلك.
ما أزال أتذكر والدتي -رحمها الله-على الرغم من حنان الأمومة الذي يطغى على الأمهات كيف كانت حريصةً على ألا نتخلف عن المدرسة مهما كانت الظروف الصحية، وقد وجدت أثر ذلك مستقبلاً على نفسي ولله الحمد في الجد والاجتهاد وعدم إضاعة الوقت بما لا يفيد، وتلك نعمة أنعم الله بها علي وعلى الإخوة والأخوات، وكانت -رحمها الله- تردد الحكمة القائلة:
من جد وجد
ومن زرع حصد