الجزيرة - المحليات:
في مساء من مساءات الوفاء .. يضيء مركز الملك سلمان الاجتماعي إحدى قاعاته باسم من أضاء مسيرته.. رجلٌ لم يكن مجرد مسؤول.. بل بوصلة بناء.. ومرآة قيم.. ومُهندس رؤى.
واليوم.. يقف المركز وهو يحتفل بالذكرى السابعة والعشرين لتأسيسه.. إجلالاً لأول من قاد الفكرة.. وغرس البذرة.. وسقى المشروع بحكمة العارفين.. معالي الشيخ عبدالله العلي النعيم -رحمه الله- الاسم الذي لا يُختصر بمنصب.. ولا يكتمل دون الحديث عن أثره.
هُنا.. حيث تُروى سيرة التأسيس.. وتُستعاد تفاصيل الحُلم.. يُقام حفلٌ لا يُشبه سواه.. لأن المُكرَّم ليس شخصاً فقط.. بل مؤسسة فكر.. وتجسيدُ قيمة.. وعنوانُ ولاء لهذا الوطن العظيم.فبعض الأسماء لا تُنسى.. لأنها لا تمرّ في الحياة مرور الكرام.. بل تُقيم في تفاصيل الوطن.. وتترك بصمتها على جدران الذاكرة والإنجاز.. ولم يكن «عبدالله النعيم « مجرد شاهد على مراحل التحول.. بل كان أحد صُنّاعه.. وممن حوّلوا الأفكار إلى مؤسسات.. والآمال إلى منجزات.
واليوم، إذ يُكرم في قاعة تحمل اسمه.. وسط حضور أصحاب السمو والمعالي.. وعدد من الشخصيات الوطنية والاجتماعية.. وبين أُسرته ومحبيه، وبين من واصلوا مسيرته.. وفي مقدمتهم سمو الأمير سعود بن عبدالله بن ثنيان آل سعود .. رفيق دربه في تأسيس المركز .. وخليفته برئاسته حالياً .. فإننا لا نرثي رجلاً غاب.. بل نحتفي بفكرٍ باقٍ.. ورؤيةٍ ما زالت تُلهِم.. ورسالة تسكن قلب كل من آمن أن العطاء لا يتوقف برحيل صاحبه.
رحمك الله يا أبا علي.. وجزاك عن وطنك وأجياله خير الجزاء.
سيرة ومسيرة: عبدالله العلي النعيم (1931 - 2024)
في يوم الخامس من شهر شعبان عام 1350هـ الموافق 10 نوفمبر 1931م، وُلد معالي الشيخ عبدالله العلي النعيم -رحمه الله- قبل أشهر من توحيد المملكة العربية السعودية.نشأ في بيئة علمية أصيلة، وتتلمذ على يد نخبة من العلماء والمشايخ، واكتسب مهارات إدارية وتربوية وخبرات قيادية، بدأها في قطاع التعليم حيث تولى منصب مدير تعليم منطقة الرياض عام 1962م، مما أكسبه خبرة واسعة في الإدارة والتنظيم.
وفي عام 1396هـ / 1976م، تم تعيينه أمينًا لمدينة الرياض، وهو المنصب الذي استمر فيه حتى عام 1411هـ / 1990م.
وخلال هذه الفترة، كان لمعاليه دور محوري في نهضة العاصمة، إذ قاد مشاريع تطويرية ضخمة وأسهم في إعداد وتنفيذ خطط عمرانية شاملة، جعلت من مدينة الرياض نموذجًا حديثًا للتحول الحضري المتكامل على مستوى المملكة والمنطقة.
وبعد أن اختتم مسيرته في العمل الرسمي، انتقل إلى فضاء العمل غير الربحي والتنموي، حيث واصل مسيرة العطاء عبر تأسيس وإدارة عدد من الكيانات الوطنية الرائدة، من أبرزها: مكتبة الملك فهد الوطنية، المعهد العربي لإنماء المدن، والجمعية الأهلية الصالحية في عنيزة، إلى جانب تأسيسه مركز الملك سلمان الاجتماعي الذي أصبح إحدى أبرز العلامات الفارقة في العمل الاجتماعي المؤسسي.
النعيم والمركز:
من فكرة إلى صرح اجتماعي خالد
في عام 1410هـ، وامتنانًا للجهود العظيمة التي بذلها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله ورعاه - إبّان توليه إمارة منطقة الرياض، مما جعل عاصمتنا تتفوق على نظيراتها من العواصم العالمية، كان أهالي الرياض يتطلعون لتقديم لمسة وفاء وتقدير لأميرهم المحبوب.
وقد كان لسمو الأمير سعود بن عبدالله بن ثنيان آل سعود شرف المبادرة بطرح فكرة المشروع، والمشاركة في أعمال التنفيذ والإدارة.
وقد رحّب سموه بالفكرة، واقترح تشكيل لجنة تنفيذية برئاسة معالي الشيخ عبدالله العلي النعيم، بحكم منصبه كأمين لمدينة الرياض آنذاك، ليكون بذلك أول من قاد الفكرة نحو التأسيس الفعلي.
وفي 31 مارس 1990م، اجتمع عدد من أعيان رجال الأعمال في الغرفة التجارية بالرياض، وتم اعتماد اللجنة التأسيسية للمركز، وتولى معاليه رئاستها.
واصل الشيخ النعيم - رحمه الله - جهوده في متابعة المشروع، وقاد حملات دعم وتواصل مع البنوك والشركات والجهات المانحة حتى تم تأمين المبلغ اللازم، ليُفتتح المركز رسميًا في 12 شوال 1417هـ الموافق 21 يناير 1997م، برعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله - وبحضور عدد من الشخصيات الوطنية البارزة.
مركز الملك سلمان الاجتماعي: رؤية متجددة لخدمة الأسرة والمجتمع
منذ انطلاقه، سعى المركز ليكون نموذجًا وطنيًا في تقديم الخدمات المجتمعية الشاملة، مرتكزًا على قيم الأصالة والمعاصرة، ومساهمًا في تمكين الأسرة السعودية وتعزيز جودة حياتها.
وفي عام 2018م، أطلق المركز خطته الاستراتيجية العشرية، انسجامًا مع رؤية المملكة 2030، ساعيًا لتوسيع نطاق خدماته، وتعزيز مفهوم التكامل بين القطاعين العام والخاص والقطاع غير الربحي، وتحقيق الاستدامة الاجتماعية والمالية والتشغيلية..
سجل حافل بالتكريم والامتنان
حظي معالي الشيخ عبدالله النعيم - رحمه الله - بتكريم محلي ودولي لما قدمه من جهود استثنائية في مجالات التنمية والتخطيط والإدارة العامة، وكان محل تقدير من قادة وملوك ورؤساء دول، ومن أبرز ما ناله:
* وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة - المملكة العربية السعودية.
* وسام الملك حسين بن طلال - المملكة الأردنية الهاشمية.
* وسام العرش بدرجة قائد - المملكة المغربية.
* وسام الاستحقاق المدني بدرجة قائد - مملكة إسبانيا.
* وسام الاستحقاق بدرجة قائد - الجمهورية الفرنسية.
* وسام الخدمة الدبلوماسية بدرجة قائد - جمهورية كوريا الجنوبية.
* أوسمة من رؤساء كل من: إندونيسيا، الفلبين، وتونس.
* الدكتوراه الفخرية من جامعة السوربون - فرنسا.
إسهامات علمية وثقافية
أطلق - رحمه الله - جائزة عبدالله العلي النعيم لتاريخ الجزيرة العربية وآثارها، لتشجيع الباحثين في هذا المجال الحيوي، وتُمنح سنويًا للأعمال العلمية المتميزة.
كما أصدر خلال مسيرته مجموعة من الكتب من أبرزها:
* حكايات من بقايا السيرة - الطبعة الثالثة (ثلاثة أجزاء).
* عشتُ لم ألتفت.
ذكرى وفاء… وعهد بالاستمرار
جاء حفل التكريم ليكون محطة وفاء لرجلٍ ترك بصمة لا تُنسى في تاريخ التنمية الاجتماعية، ولبنة أساس في بناء صرح وطني نفخر به جميعًا.
ودّع المركز أحد أبرز أعمدته، ورجالاته المؤسسين، معالي الشيخ عبدالله العلي النعيم - رحمه الله - بروح الاعتزاز والامتنان، ويواصل اليوم مسيرته بخطى واثقة نحو المستقبل، محافظًا على إرثه، ومستلهمًا من رؤيته قيم العطاء، والتكامل، والتمكين.رحم الله الشيخ عبدالله العلي النعيم ، وجزاه عن هذا الوطن وأهله خير الجزاء.