د. محمد عبدالله الخازم
منذ فترة ليست بالقصيرة لم يحظ التعليم بمسؤول تدرج في مناصب تعليمية حتى الوصول إلى مركز قيادي فيه. تكونت فكرة عامة بأن قيادات التعليم يمكن إحضارها من قطاعات أخرى، وليس شرطاً تدرجها في مناصب تعليمية سابقة ملائمة لحجم المنصب الجديد. الأمر يقود إلى أسئلة حول فلسفة الإدارة والقيادة؛ هل يشترط التدرج في المناصب ذات العلاقة بمجال العمل - التعليم هنا مثالاً- للحصول على منصب قيادي متقدم فيه؟ أم أن القيادة مجال عام، لا يشترط فيه خبرات متدرجة في ذات المجال؟ هل التعليم العام أو الجامعي ليس تخصص وبالتالي لا يهم الخلفية المهنية للقادة فيه بقدر ما يهم توفر «الكارزما» الشخصية أو «البعد الاجتماعي» في اختيار قادته؟ هل يتعلّق الأمر بنقص الكفاءات القيادية ذات التدرج في الترقي من منصب لآخر أعلى في مجال التعليم؟ أم هي المدرسة الإدارية التي ترى بأن تجديد الفكر القيادي يتطلب استقطاب قادة من خارجه؟
تلك مجرد أسئلة، لست بصدد نقاشها وإنما طرأت كمقدمة، كعادتنا في الكتابة الحرة نبدأ فكرة فننحرف لطريق آخر. بالعودة لموضوع المقال، أشير إلى أن تعيين معالي الأستاذة الدكتورة إيناس العيسى في منصب نائب وزير التعليم، يستحق الانتباه ليس فقط للاسم ذاته ولكن لأننا منذ فترة نفتقد تعيين صاحب خبرات متقدمة في المناصب العليا في التعليم والجامعات. أصبحنا غير قادرين على التوقع بالنسبة لهذه المناصب لأن تدرج الوصول إليها غير واضح. فجأة تجده يتعين مسؤول في وظيفة متقدمة من قطاع آخر أو من مستوى قيادي متدن في سلم التدرج الوظيفي. تعيين معالي الدكتورة العيسى كسر ما أصبح شبه قاعدة في السنوات الأخيرة، أو هو أعادنا إلى الأصل وما يفترض حدوثه، حيث إن معاليها تدرجت في المناصب القيادية من أستاذة وباحثة إلى وكيلة كلية إلى عميدة إلى وكيلة جامعة إلى رئيسة جامعة وبالتالي فهو أمر منطقي ترقيها إلى منصب نائب وزير للمؤسسة التي تنتمي إليها، التعليم، بما تحمله من إرث مهني وخبرات وتدرج أثبتت خلاله جدارتها وكفاءتها القيادية في القيام بما أوكل إليها من مهام.
معالي الدكتورة العيسى، جاءت خبراتها في أكبر الجامعات السعودية وفي جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن تركت بصمات قيادية تنظيمية تطويرية كبرى، لا يمكن لمتابع تجاهلها وستبقى آثارها سنوات طويلة، حيث عملت معاليها على مشروع إستراتيجية للجامعة تمتد لعقدين من الزمان. معاليها كانت الأبرز ضمن رؤساء الجامعات الحكومية في السنوات الأخيرة، بما تحمله من كفاءة وذكاء وكارزما وقدرات كقائدة متمرسة، حققت الكثير من الإيجابيات والإنجازات فيما تولته من مهام تدرجت وتنوعت في مجال التعليم الجامعي. يُضاف إلى ذلك، كونها من جيل القيادات المعاصر والمدرك لأبعاد رؤية المملكة الحديثة التي يقودها سمو ولي العهد، حيث أسهمت معاليها بكل اقتدار في قيادة/ المشاركة في قيادة محاور مهمة ذات علاقة بتمكين وتطوير المرأة والفتاة السعودية على مختلف المستويات. معاليها أحد أهم القيادات في مجال دعم وتمكين المرأة السعودية وإدراك تحولاتها الاجتماعية والفكرية والمهنية والاقتصادية ذات العلاقة برؤية المملكة 2030 .
من جد وصل، وجهود معاليها المتميزة أثمرت عن تقديرها ومنحها الثقة من لدن خادم الحرمين وسمو ولي عهده -حفظهم الله- بتولي منصب نائب وزير التعليم. أهنئ معاليها وأختم بالدعوات لها بالتوفيق والسداد في مهامها الجديدة.