د.م.علي بن محمد القحطاني
في مقال سابق عن نشاط توصيل الطلبات في المملكة تحت عنوان النقل الذكي ألف سؤال وتساؤل نشر في هذه الصحيفة قبل عام تقريبا أطلقت فيه عدة تساؤلات عن هذا النشاط في سماء الجهات المعنية والمختصة لعلها ترصدها أو تراها فتتفاعل بها وتتعامل معها، ولكني لم ألمس أو أقرأ لها أي صدى سوى تضاعف أعدادها وتكاثرها بشكل جنوني وكأنما حُلت جميع إشكالياتها ووضحت تعليماتها، وسُنت تشريعاتها.. أتمنى ذلك.
ولكن ما أخشاه أن تكون هذه التساؤلات حاولت مجاراة هذا النشاط في سرعة نموه وتطوره فانطلقت بسرعة جنونية حتى تجاوزت الغلاف الجوي قبل أن ترصدها تلك الجهات وأن علي أن أبحث عن وسيلة أخرى لإيصالها فقد يكون لِزَامًا علي استخدام أحد هذه التطبيقات لكثرتها فحتى لو تأخرت او تعرضت لظروف جوية قاسية فلا خوفاً عليها من التلف فهي مجرد أفكار لا قيمة لها في عيون هذا المسؤول او ذاك وقد لا تعني لهم شيء
وقد يقول قائل إنهم مشغولون عن الرد بما هو أفيد بالتركيز على أداء مهامهم والوفاء بواجبتهم ونقول نعم هذا واجبهم، وجزء من مسؤولياتهم، ولكن إذا ظهر هناك قصور أو أثيرت تساؤلات حول نتائج أعمالهم وأصبحت القضية خارج أسوار تلك الإدارة فعليهم مشكورين استقطاع جزء من وقتهم الثمين للرد أو أداء المطلوب منهم حتى يلمس المواطن تلك الاستجابة، إلا إذا كانوا ينتهجون أسلوب الرد بالنتائج وهذا صعب لأن النتائج قد تستغرق وقتا طويلا وقد تنتهي فترة تكليف المسؤول قبل أن يحققوا نتائج تستحق النشر وهذا في حد ذاته مطلب للكثير.
وعلى الرغم من هذه السوداوية يبدو أن هناك بصيص أمل وضوء في آخر النفق فقد لفت انتباهي تقرير اخباري عن قيام هيئة النقل بالتعاون مع وزارة البلديات والإسكان ممثلة في إحدى محافظات المنطقة الشرقية وتطبيقات توصيل الطلبات بتنفيذ مشروع تحت مسمى استراحة وانتظار سائقي تطبيقات التوصيل، فعلى الرغم من زيادة أعداد الدراجات المهول وكأنها في الطرقات جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ وأصبحت تنافس السيارات في تعدادها وكأنها وسيلة المواصلات الرئيسية في مدننا وما تمثله من مشهد غير حضاري وتشوه بصري واضرار صحية الا انهم اعتبروها مبادرة تهدف إلى الارتقاء بالمشهد الحضريِّ، وتنظيم وقوف الدرَّاجات الناريَّة، وتحسين ظروف العمل.
ولكن هنا يجب أن نتوقف وقفة تدبر فكم نحن بحاجة لترتيب أولوياتنا، فهذا المشروع على الرغم من أهميته إلا أن هناك ما هو أكثر الحاحا وأهمية، وعلى سبيل المثال سرعة اعداد ونشر اللائحة التنفيذية إن وجدت حيث إن ما صدر من قرارات هو اشتراطات عامة يمكن تطبيقها على جميع الأنشطة، ولكن هنالك العديد من التفاصيل الخاصة بكل نشاط لضمان سلامة وأمن المستفيدين فهو يحوي مجموعة واسعة من الطلبات منها القابل للتلف بدرجات متفاوتة على سبيل المثال الأطعمة - الزهور وبعض الهدايا - الأدوية والمستحضرات الطبية و التجميلية ..الخ ويمكن أن تختلف حسب احتياجات العملاء والشركات.
وهي وإن كانت تنضوي تحت نفس الشروط العامة وعلى سبيل المثال لا الحصر ما ورد في قرارات هيئة النقل التي يمكن وصفها بالعامة فهي تتحدث عن الزي الخاص بغير السعوديين وكذلك الزام غير السعوديين بالعمل عبر شركات النقل الخفيف تدريجياً وخلال 14 شهراً (وهذا مثال على حبهم للتأني في غير محله فلماذا 14 شهراً أليست فترة طويلة سيتخللها أحداث وأضرار وحوادث نحن في غنى عنها، كما أن الحاجة ليست ملحة للمجازفة باستمرار الوضع القائم على ما هو عليه على الرغم مما يحفه من مخاطر فكل نوع من هذه الطلبات يتطلب الكثير من التفاصيل يمكن ان تسمى لائحة تنفيذية أو قرارات تفصيلية او ملاحق توضيحية أيا كان مسماها، فما هو مناسب للملابس بالتأكيد يختلف عن الأطعمة ومن المؤكد اختلافه عن الادوية، كما ان السائق لابد ان يكون لائقا طبيا وعقليا وسلوكيا ومراعاة شروط للتغليف واشتراطات أخرى للوسيلة سيارة كانت أو دراجة نارية.
ومن الملاحظ أن الصيدليات بدأت في تنافس محموم لكسب المزيد من العملاء بإضافة خدمة التوصيل لمن تزيد مشترياتهم عن مبلغ معين وهم غير مجهزين أو مرخصين لذلك إن كانت هناك تراخيص أصلا.
وقد جربت التعامل مع عدد منها قبل الكتابة عن هذا الموضوع وخلُصت بان هناك صيدليات أو مجموعة صيدليات لديهم فرع مستقل مجهز لخدمة البيع أون لاين ولتوصيل الطلبات وللأسف فهم قلة لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، أما البقية فالصيدلية تجمع الطلبات وتسلمها مساءً لمن يقوم بتوزيعها في اليوم التالي، وقد يكون غير مؤهل لهذه المهمة كمتعاون مع هذه الصيدلية او تلك ولا يعلمون متى يتم التسليم، وبالطبع لا أحد يهتم بجودة وسيلة النقل المستخدمة ودرجة برودتها لنقل أدوية قد تأخذ ساعات وهي معرضة لأشعة الشمس.
بعض الصيدليات لها أكثر من فرع في المدينة وحتى هذه الفروع تتنافس فيما بينها فليس لها حدود جغرافية يغطيها كل فرع فتجد صيدلية في أقصى الشمال تخدم عملاء في أحياء وسط وجنوب جدة مع علمهم بالوقت المستغرق للوصول وعدم علمهم بحالة وجودة وسيلة النقل. فمن الواضح أن بعض العاملين في هذا المجال وفي ظل غياب التشريعات الملزمة لا يهمهم كيف تصل تلك الأدوية للعملاء والحالة التي تصل فيها فحتى لو كانت العربات التي تجرها الخيول وأبناء عمومتها اعزكم الله لازالت قيد الاستعمال لاستخدمتها فهي أوفر واعطابها أقل.
فهل وزارة الصحة هي من تجيز الصيدليات المؤهلة للتوصيل أم أن الأبواب مشرعة على مصاريعها لكل من هب ودب من تلك الصيدليات لتوصيل الأدوية.
في ظل ضبابية المشهد ما أحوجنا أكثر من أي وقت مضى لدراسة شاملة لهذا النشاط فكما هو معلوم و ملاحظ ان هذا النشاط يعتبر من أسرع القطاعات نموًّا في المملكة ولكن عدد السائقين السعوديين قد لا يتجاوز 5 % من إجمالي العاملين حاليا في هذا المجال، فماذا أعددنا له؟ أم سننتظر لتكون إجراءاتنا ردود أفعال على ما يحدث عكس قدراتنا وامكانيتنا التي وفرتها الدولة حفظها الله ومنها الذكاء الاصطناعي، والذي لم يعد ترفا بقدر ما هو حاجة ملحة.
والسعودية في ظل رؤية 2030 تعتبر من الرواد ومن أكبر المستثمرين فيه وقطعنا شوطا ًكبيراً فيه بدعم وتوجيه حكومتنا الرشيدة، فلو وجد في تلك الجهات من هو شغوف به لحدد لهم كل ما يحتاجونه من معلومات وأدوات لاتخاذ القرارات السليمة بإذن الله، وحتى جدوى هذا النشاط وتأثيره الاقتصادي والاجتماعي على الدولة والمجتمع والفرد بوضعه الحالي وما يمكن اجراؤه من تعديلات ليتلاءم مع هذه المعطيات، حيث نمتلك قاعدة معلومات واحصائيات عن هذا النشاط: عدد العاملين، جنسياتهم، مهنهم أساسية أو إضافية لتكون الدراسة وافية والنتائج مبهرة ودقيقة وتؤدي بإذن الله لتنظيم وحوكمة قطاع توصيل الطلبات، ورفع جودة الخدمة وكفاءة عملية التوصيل، وزيادة مستوى الموثوقية والأمان، وخلق فرص وظيفية حقيقية للسعوديين في ظل هذه التحديات والفرص، يصبح من الضروري العمل على تحسين وتطوير قطاع توصيل الطلبات، فهل ندعمه ونطوره بشكله الحالي أم يحتاج الى إعادة هيكلة وبلورة ليتناسب مع بيئتنا واحتياجنا واهدافنا ليسهم بشكل فعال في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية ورفع مستوى جودة الحياة في المملكة ليلعب دورًا هامًا في بناء مستقبل اقتصادي مزدهر ومستدام للمملكة العربية السعودية.