أ.د.عثمان بن صالح العامر
فرق بين الحزن والغضب، فالثاني يتولَّد في الداخل ثم يخرجه صاحبه فيظهر في ملامح وجهه، ونبرات صوته، وربما تصرفاته وسلوكياته، أما الحزن فهو يتولَّد في الخارج ثم ينتقل إلى داخل الإنسان فيستقر بين حناياه ويبدأ يفعل فعله به حتى يمرضه وربما قتله.
صاحبنا هذا - من يحمل في قلبه الحزن - يصبح مع مرور الأيام وتسارع الأحداث ذاكرة أحزان فهو كثيرًا ما يستدر تواريخ الحوادث المؤلمة، والضربات الموجعة في التاريخ القديم منه والحديث، حتى الأشخاص، إذ ذكر عنده أحد ما، ممن يعرف من الرجال والنساء الأحياء منهم أو الأموات يذكر عنه ما يبعث الحزن والأسى في النفس، ليس هذا فحسب، بل إنه يتابع بشكل دقيق ما ينشر في وسائل الإعلام من أخبار موجعة محزنة مؤلمة مخوفة، وبالتالي فهو الناقل الحصري لها في القروبات المسجل فيها، وهو المتكفّل بالإعلام عن حالات الموت وحوادث السيارات والطلاق والشجار والفصل والمحاكمات التي تقع في محيطه القريب منه، حتى صار هذا الإنسان جراء ذلك سوداوي النظرة المستقبلية، متشائم من كل شيء، لا يرى في الأفق إلا ما يسوء، ولا يبشِّر بخير، وأنت إذا جلست معه واستمعت إليه قمت منه وأنت متسربل بالأحزان التي لا تكاد تغادرك وتنفك منك حتى تجلس إلى متفائل يزيل عنك ما تلوّثت به، فهو شخص يجيد فن قراءة الأحداث قراءة حزينة متشائمة، ويحلِّل ما هو واقع تحليلاً موغلاً في السوداوية المفزعة التي تجعلك لا تنام.
هذا وأمثاله خطرهم عظيم في محيطهم الاجتماعي الذي يعيشون فيه خاصة على الصغار الذين يأخذون ما يسمعون منه على أنه الحقيقة النهائية التي لا جدال فيها ولا مهرب منها ولا محيد، ومن ثم يتولد لديهم ردود أفعال قد تصل بهم إلى العنف بأي شكل كان، سواء أكان عنفاً موجهاً للذات، أو أنه عنف ضد الغير لا سمح الله.
لقد نسي هذا أو أنه غفل وتجاهل ما يرفل فيه من نعم لم ينلها أشرف الخلق على الإطلاق وأحبهم إلى الله عزَّ وجلَّ رسول الله محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، الذي كان في أحلك الظروف وأشد المواقف يبشِّر أصحابه ومن معه بغد مشرق ومستقبل مفرح لهذا الدين وأهله، معرفة منه صلى الله عليه وسلم بطبيعة الحياة الدنيا، ويقيناً جازماً بما عند الله لعباده المتقين، وهذا هو المأمول منا إزاء واقع محيطنا الخليجي وعالمنا العربي وأمتنا الإسلامية اليوم، ليكن التفاؤل ديدننا، والثقة بما عند الله ثم بقيادتنا وولاة أمرنا ورجال السياسة والاقتصاد فينا منهجنا، ولنترك القيل والقال، والخوض فيما لا نحسن، والتحليلات المرجفة، والتنبؤات الكاذبة، والأحلام المثبطة، من أجل سلامتنا وسلامة من نعول، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء، والسلام.