عبدالله إبراهيم الكعيد
أورد الأستاذ الدكتور محمد الخشت، أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة بكلية الآداب بجامعة القاهرة، في كتابه» أخلاق التقدّم، رؤية فلسفيّة تطبيقيّة» أمثله عن تسويغ الفرد لنفسه فعلا معيّنا، بينما يحرّمه على سائر الناس، كأن تُبيح الإرادة لنفسها الغش وتجرّمه على الآخرين أو أن تبرر لنفسها الإهمال في وقت تنقده في الآخرين، ومثل ذلك قبول الرشوة أو تبرير الفوضى مع أنها (أي الإرادة) تنتقد اللانظام عند بقيّة أفراد المجتمع، وقس على ذلك كثيرا من التناقضات وعدم الاتساق.
ذكر البروفيسور الخشت عدم الاتساق، فما هو الاتساق؟ وأي اتساق يعنيه صاحب أخلاق التقدّم؟ معنى الاتساق حسب معظم المعاجم هو: عدم التَّناقض أو التّكلُّف في أجزاء الفكرة. المتسقون قلّة في زمن انقلبت فيه المفاهيم، والقابض على القيم المثاليّة كالقابض على جمرة في راحة يده.
أكبر ضرر للتناقضات والكيل بمكيالين من وجهة نظري يتضح من خلال آثار عدم الاتساق في سياسات الدول المهيمنة. فعدم اتساقهم ليس نتيجة خطأ عرضيّ، بل هو نتاج لغياب نظام دولي فعّال يطبّق على الجميع. الدول التي تمتلك القوّة وفرض السيطرة هي التي تهيمن على القوانين الدولية وتستهين بها. وهم يعرفون حق المعرفة أن استمرار تلك الهيمنة غير المبررة يهدد الاستقرار العالمي، ومع هذا يدَّعون أنهم يسعون لتحقيق الديموقراطية والانتصار لحقوق الإنسان!
عدم الاتساق في مواقف الدول المهيمنة يُغذي الشعور بالظلم حينما تلمس المجتمعات المضطهدة كحالة الفلسطينيين تحيّز المنظمات الدولية ضد حقوقهم والوقوف مع الظالم المحتل. إن الازدواجية في تطبيق القانون الدولي يؤدي الى تقويض المصداقية وفقدان الثقة ولهذا برزت التحالفات المختلفة والمتضادة وكل حلف يدعي نصرة الحق المتسقة مع مصالحه وأوضح دليل على الاختلاف البيّن في مواقف الأقطاب الدولية المتضادة ملف حقوق الانسان، ففي وقت تدين فيه قوة عظمى انتهاكات في دولة ما نراها تتغاضى عن انتهاكات مماثلة لحلفاء إقليميين.
من أكثر الأمثلة المُخجلة لعدم الاتساق تغيّر سياسات قوى عظمى بناء على تحالفات مرحلية فتتحالف مع مليشيات أو جماعات معروفة بالعنف والخروج على القوانين الأممية لتحقيق مصالح استراتيجية، كما حدث ابّان الحرب الباردة حينما دعمت الولايات المتحدة الأمريكية جماعات تحارب الاتحاد السوفيتي وبعدما نجحت في تحقيق أهدافها انقلبت على تلك الجماعات وحاربتها.
صفوة القول: لا أوضح من شرح مفهوم عدم الاتساق من قول أبو الأسود الدؤلي في بيته الشهير:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عارٌ عليك إذا فعلت عظيم