د. أحمد محمد القزعل
حين يتعرض الإنسان لجرح نفسي أو معنوي، فإنه يصبح أكثر هشاشة وأكثر حساسية تجاه ما يُقال له أو عنه، وفي مثل هذه اللحظات قد تكون الكلمة اللطيفة كفيلة بأن تخفف عنه بعضاً من ألمه، بينما قد تكون الكلمة الأخرى كالسيف الذي يغرس في جرحه فيزيده نزفاً، فالكلمة الطيِّبة هي مفتاح للقلوب وسر من أسرار التأثير الإيجابي في حياة الآخرين، فهي ترفع المعنويات وتمنح الأمل وتشعر الإنسان بقيمته، كما أن الابتسامة اللطيفة بدورها تُعدّ من أبسط وأقوى الوسائل التي تلامس القلوب، فهي رسالة غير منطوقة تحمل معاني الرحمة والتقدير والاحترام.
حقيقة عندما يكون الإنسان في حالة ضعف نفسي أو يمر بأزمة ما، فإنه يصبح أكثر تأثراً بالكلمات السلبية، فالكلمة التي قد تكون عابرة لشخص في حالته الطبيعية، قد تصبح قاتلة لمن هو في حالة انكسار؛ لذلك ينبغي علينا أن نراعي ظروف الآخرين قبل أن نتحدث معهم، وأن نتذكر دائماً أن الكلمة سلاح ذو حدين يمكن أن يستخدم للبناء كما يمكن أن يستخدم للهدم، وفي بعض الأحيان يكون الصمت أبلغ من الكلام، فالوعي بلحظة الألم التي يعيشها الآخرون يجعلنا أكثر حذراً في التعبير عن آرائنا، فالكثير من الأفراد يعتقدون أنهم يقدمون نصائح مفيدة لكنهم لا يدركون أن التوقيت وطريقة إيصال الكلمات قد يجعلان تلك النصيحة خنجراً يُغرس في قلب المتلقي.
فأناقة الكلمة لا تعني فقط تجميل العبارات، بل تعني اختيار الكلمات بعناية، وفقاً للموقف ولشعور الشخص المتلقي، ومن يمتلك هذه المهارة يمتلك مفتاح القلوب ويستطيع أن يترك أثراً طيباً في نفوس الآخرين، ومن أوجه أناقة الكلمة: حسن التعبير عن المشاعر والأفكار بطريقة مهذبة ولطيفة، وتجنب العبارات الجارحة أو التقليل من شأن الآخرين، ومراعاة مشاعر الفرد واختيار الكلمات التي تواسيه بدلاً من تلك التي تزيده ألماً، فالكلمة التي تُقال في الوقت الخطأ قد تؤذي أكثر من أن تفيد، وكما قال الرافعي: «إنّ الجرح الذي تحدثه الكلمة، لا يراه أحد، لكنه يبقى في القلب طويلاً»، وكما قال الكاتب الأمريكي مارك توين: «الكلمة المناسبة في الوقت المناسب قد تكون الفرق بين النجاح والفشل».
ومن نافلة القول: فإن التأدب في حضرة الجرح هو مقياس حقيقي لرقي الإنسان ووعيه، فالكلمة الطيبة ليست مجرد خيار، بل هي واجب إنساني؛ لأنها قادرة على أن تخفف الأوجاع النفسية وأن تداوي الأرواح المجروحة، كما أن الوعي بقوة الكلمة يجعلنا أكثر حرصاً في التعامل مع الآخرين خاصة في لحظات ضعفهم، وإن لم يكن في مقدورنا تضميد الجراح، فلا يجب أن نكون سبباً في نزفها أكثر، فالتعامل برفق مع القلوب المنكسرة هو قمة الأخلاق وذروة الحكمة، ولتكن كلماتنا نهراً من اللطف لا سيفاً من القسوة.