د. فواز كاسب العنزي
تُعد الصحة النفسية ركيزة أساسية لحياة متوازنة مليئة بالسكينة والإنجاز، غير أن مسيرة الإنسان لا تخلو من مواقف صادمة تترك آثارًا ثقيلة في الذاكرة، تمامًا كما ترسو السفينة وسط البحر وتثبتها مرساة تمنعها من المضي قدما، وقد تتحول هذه الذكريات إلى مراسي نفسية تثقل الروح وتقيد الحركة وتمنعها من الإبحار نحو ضفاف الأمل، وهنا تتجلى أهمية فن التناسي الذي لا يعني كسر الذكرى أو إنكارها، بل يعني رفع المرساة بحكمة وهدوء، تمامًا كما يفعل القبطان الماهر الذي يتحين اللحظة المناسبة ليرفع مرساته ويمضي بشراعه نحو أفق جديد، ومن هنا تأتي قيمة الخبير النفسي الذي يعمل كمرشد وقائد، يعلّم النفس المهارة الدقيقة لرفع المراسي الثقيلة دون أن يرهقها أو يكسرها، بل يعينها على التحرر منها باحتراف القبطان الذي يعرف أن البحر يتغير والرياح تتبدل وأن السكون الطويل يعني الغرق لا النجاة، والتناسي مهارة تتطلب وعيًا عميقًا وشجاعة صامتة، أن تعترف بالموقف المؤلم دون أن تغرق فيه، وأن تفرغ مشاعرك السلبية بطريقة صحية عبر الحديث أو الكتابة أو التأمل، ثم تعيد توجيه بوصلتك نحو حياة أكثر إشراقًا، فتسامح نفسك والآخرين وتؤمن أن المستقبل يتسع لكل الذين تعلموا كيف يرفعون ماضيهم برفق لا بحقد، وكيف يحررون قلوبهم دون أن ينكروا ما مروا به، والحقيقة أن البحر لا ينتظر السفن المعلقة بذكرياتها، والرياح لا تهب لمن لا يرفع شراعه، فتعلم أن ترفع مرساتك، أن تطوي صفحات الألم بهدوء، وأن تجعل من كل صدمة معبرًا نحو النضج لا قيدًا يشلك عن الحياة، فمرساة الذكرى مهما كانت ثقيلة يمكن رفعها حين تمتلك مهارات القبطان الذي يعرف متى يحل العقد ومتى يبحر بثقة، وحينها فقط يصبح التناسي طريقًا للتحرر، وشراع الأمل دليلك إلى مرافئ السعادة.