د. فهد بن أحمد النغيمش
بابلو بيكاسو رسام وفنان ونحات إسباني، غزير الإنتاج.. ذاع صيتهً واشتهر في عالم الفن بلوحاته التشكيلية، وخطت ريشته أكثر من ألفي عمل توجد حاليا في كبريات المتاحف العالمية، وتباع لوحاته بملايين الدولارات في رسومات ورموز قد لا تعجب البعض ولا تروق لذائقته فقد تقف أمام لوحاته الفنية تتذوقها وتعجب بها وتعتبرها إبداعاً فنياً، لكن بجانبك شخص على العكس تماماً، لا يجد ذاك الجمال الذي أنت منبهر به، ولم يقدر أن يتذوق الفن كما أنت، بل ربما وجدته ينظر لتلك اللوحة أنها ليست أكثر من قطعة قماش عليها خربشات فرشاة ملونة يقدر أي طفل القيام به حتى وان كان متذوقا لفن الرسم وتفكيك الرموز! وهذا دليل على ان لك نظرته التي يتفرد بها ويؤمن بها فهناك من ينظر الى الجمال من زاويته وإلى النور من ثقب عبوره وهذا يؤكد مقولة لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع!
حديثي ليس عن بيكاسو ولا عن معتقده الالحادي ولا سيرته أو ذكر مآثره بل هي مقدمة بسيطة وتمهيد رفيع مفاده ان أذواق الناس تتفاوت وتتغير من شخص لآخر سواء كانت في الاخلاق والطباع أو الصداقات والعلاقات أو لسلع والشراء أو الاسترخاء والاستجمام وهذه فطرة فطر الناس عليها فلا تأخذك الدهشة أو تستولي عليك علامات التعجب، حِين ترى أناس يتنازعون فِي بعض النقاشات، التي تخضع لاختلاف الأذواق، وتنوع الجمال، وتعدد الآراء، وكثرة وِجهات النظر؛ لأنهم يُريدون أنْ يجعلوا الأمُور النِسبية قطعية، وهذه ضِد سُنن الكون، التي لا تقوم الحياة إلا عليها..!
ما تراه أنت غير جميل يراه غيرك أجمل وقد يعجب غيرك وليس شرطا ان يعجب ذائقتك، و ها نحن نرى هذا الكم الهائل الذي لا حصر له من السلع اليوم بمختلف أنواعها من سيارات وأدوات كهربائية والكترونية وملابس ومنازل وديكورات وأصباغ ومقتنيات وأصناف متعددة من الطعام والشراب لا حصر لها ولا عدد وتأخذك الدهشة وتسأل نفسك من يشتري هذه؟ من يقبل بهذه؟ وفي الأخير يخبرك البائع أو المستفيد بأن لها رواجاً عالياً وقبولاً واسعاً!
لذا لا بد أن نؤمن بان الناس مختلفون في الذائقة وفي الطباع وفي كل شي وهذا التمايز سنة الله في خلقه ليبلوهم ويعرف أخبارهم ويختبر صبرهم وتحملهم فيما بينهم فلنحترم كل قرار يصدر من الآخرين بدلا من أن نمطرهم بسيل من الانتقادات في لباس هو مقتنع به أو فلة سكنية هو من صمم مخططها ورضي السكنى بها، وفي كل أمور حياتنا مما يخضع للذائقة بعيدا عن كل شيء يخالف شرع الله أو ارتكاب محظور أو تعد على حدود الله فذلك ليس في ميزان الذائقة ولا من مفردات الذوق إذ إنها خاضعة لتعبدنا وانقيادنا لشرع ربنا سبحانه.
لذا لو أن كافة البشر احتكموا إلى المنهج العقلي واستخدموا الصورة الذهنية الواحدة التي تأخذ نمطاً واحداً يتم هو السائد في مختلف الاحوال لتوحدت النتائج واختفى الابداع وساد الجمود والنمطية!
الاختلاف في الذائقة وفي الرأي مطلوب فهو ميزة وليس سبباً رئيساً للمشاكل ولكن ينبغي الايمان به والتسليم له وليس كما يراه البعض من الناس فيقصون الآخرين كلياً من حياتهم ، فهل يجب أن أشبهك كي أرضيك؟ أم أنفذ أوامرك كي أعجبك؟ أم أصفق لك دائما كي أنال ذائقتك واعجابك؟ أم أسلب شخصيتي وألبس قناعك كي أتفق معك في كل شيء؟ لا يوجد بيننا التشابه بل توجد بيننا المشاعر والإنسانية فلم لا نتقاسم هذا العالم بالرحمة والمحبة ؟ لم يدمرنا كل يوم الكره والعداء فقط بسبب اختلاف وجهات النظر وعدم احترام ذوائقنا وآرائنا وأفكارنا التي نؤمن باستقلاليتنا فيها ولسنا ملزمين بأن نحاسب الآخرين فقط لأنهم مختلفون عن أفكارنا!
تعدد الأذواق مطلوب وتعدد الأفكار والآراء مؤشر إيجابي للتجديد والتطوير وتنوع الجماليات وكسر الجمود!