مشعل الحارثي
ورحل عنا الفقيد العزيز خضر بن حامد بن كمال الشعابي الحارثي (أبو خالد) يوم السبت 19 ذي القعدة 1446هـ واختطفته يد المنون في لمح البصر ليغادر دنيانا الفانية بعد حياة كلها كفاح وجهاد وعطاء، وودعنا معه انساناً يحمل بين جنبيه قلباً عطوفاً حنوناً، وروحاً طموحة متوثبة، ونفساً راضية هاشة باشة فلم نر منه يوماً تضجراً ولا عبوساً أو تبرماً من تقلبات الحياة والأحياء، ولا اذكره ويخطر على بالي إلا وأذكر معه الشمائل الكريمة في الرجال من تواضع ولين الجانب ومواقف النبل والرجولة والشهامة والأخلاق الحميدة وممن وهبوا انفسهم لنجدة الآخرين وكل من يلتمس منه العون والمساعدة على صروف الدهر وقسوة الزمان وخدمتهم بكل وسيلة توفرت له سواء بالمال أو الوجاهة، وبما يحظى به من محبة ومكانة لدى الجميع، وما نظرت إليه إلا وجدته مبتسماً وهي سمة من سماته التي لا تفارقه في السراء والضراء والنعماء والبساء، ومهما ذكرت وعددت فلن استوفي كل مناقبه وصفاته الحسنة، ولعل ما يعكس هذه المكانة ومدى محبة الآخرين لشخصه ذلك الطوفان من البشر الذين خفوا للصلاة عليه وتوديعه الوداع الأخير وتقديم واجب العزاء لذويه، ومن كانت هذه صفاته وأخلاقه استعذب الناس ذكره حياً وميتاً فرحمه الله رحمة الأبرار وأسكنه فسيح الجنان والهمنا وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.
وأحسن الحالات حال أمرئ
تطيب بعد الموت أخباره
يفنى ويبقى ذكره بعده
إذا خلت من بعده داره
ويعلم الله كم أنا حزين أشد الحزن على فقده رحمه الله، خاصة ومنذ علمت بمرضه ودخوله لأحد مستشفيات الطائف للعلاج منذ عدة شهور، وكم حاولت زيارته عدة مرات فلم تتح لي الفرصة لأراه بسبب خطورة مرضه، فلم يكن أمامي سوى أن أرسل له عدة رسائل على هاتفه ممنياً النفس بأنه ربما ذات يوم يمن الله عليه بالشفاء ويقرأها ويعلم مقدار مكانته وأسرته الكريمة (آل كمال) لدي ولدى أسرتي أيضاً، وأنه مهما باعدت بيننا الأيام فهو يعيش في قلوبنا حتى وهو في أحلك الأوقات وأشدها ولم نتخلى من الدعاء له، ولكن لشديد الأسف وما يزيد النفس الماً وحسرة أن الرسائل بقيت ورحل المعني بها ومن وجهت إليه، ويكفي أنه خلف من الأثر الحسن وحميد الذكر ما يكفي ليبقى خالداً في أذهاننا وتبقى ذكراه العطرة فواحة العبير ما بقيت الحياة.
يا عين جودي بدمع هاجه الذكر
فما لدمعك بعد اليوم مدخر
لقد كان رحمه الله يجل والدي ويحترمه كثيراً ولا يرد له طلباً، وفياً حتى مع عمي شقيق الوالد ولأسرتنا كافة ولكل من عرفه وعرف معدنه الطيب الأصيل رحمهم الله جميعاً، وأذكر كم كان يشفق على كثيراً كلما زارنا وأنا لازلت وقتها طالباً في المرحلة الابتدائية ويرى عكوفي وانكبابي الدائم على القراءة في الكتب والمجلات والصحف فيوجه لي النصيحة بأن أخذ ما بين وقت وآخر قسطاً من الراحة حتى لا تتعب عيناي مما يضطرني ذلك مستقبلاً لاستخدام النظارة الطبية وهو ما كان وتحقق بعد ذلك، وحتى الآن لمخالفتي نصائحه.
وكم تعلمت منه ومنذ صغري واستخلصت من شخصيته النقية الودودة الكثير من الدروس والمعاني ومنها كيفية الاقبال على الحياة والسير في ركابها بصبر وجلادة وقوة، وكيف نحب كل الناس ولا نحمل في نفوسنا بغضاً أو ضغينة لأحد، وكذلك المبادرة الدائمة للوقوف مع الآخرين في السراء والضراء.
تخالف الناس الا في محبته
كأنما بينهم في وده رحم
والحديث عن (أبو خالد) رحمه الله، يطول ويطول سواء عن سيرته العصامية أو ما يجمعنا به من ذكريات وما شهدت له من مواقف سواء مع أفراد قبيلته أو مع كل أصدقائه وأحبابه، ولكني لا أملك ونحن إذ نودع هذا الرجل العزيز والغالي على قلوبنا إلا أن أقدم أحر التعازي وصادق المواساة لقبيلته العريقة قبيلة الشعاعيب، ولأسرته الكريمة من (آل كمال) وخاصة أشقاءه الكرام، كل من: رجل الأعمال سعيد بن حامد الحارثي، وسعادة المستشار الأسبق بالديوان الملكي عطية حامد الحارثي، ولزوجاته وأبنائه كل من خالد، وفواز، وحامد، ونايف، وأحمد، والعقيد محمد، وبناته كل من الدكتورة أشواق، ورنده، وفاطمة، وفدوى، وأريج، سائلاً المولى عز وجل أن يجعل ما أصابه من مرض مكفراً ومطهراً وقائداً له الى جنات الخلد والنعيم، وأن يلهم أسرته وذويه الرضاء بالقضاء ويجبر كسرنا على فراقه و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.