عبدالرحمن العطوي
الموت حق قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ..} الآية، وليس هناك أشد قسوةً وألماً على الشخص أكثر من أن يسمع نبأ وفاة صديق كان أقرب من أخ له. خاصةً إذا ما كان الصديق وفياً صادق الوعد لهذه الصداقة لآخر لحظة قبل أن يأخذه الموت، إن الموت حق على كل إنسان، إلا أنه الأقسى والأصعب والأفجع على النفس، في يوم الأحد 20-6-1446هـ كان الخبر المؤلم الذي تلقيناه عن وفاة الأخ الصديق والزميل الأستاذ مصلح حمود الهرفي البلوي (أبو مشعل) بعد معاناة مع المرض ومراجعة مستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض ليخفي ألمه ومعاناته مع مرحلة العلاج بالكيماوي، وكلما يعود إلى تبوك كنت على تواصل معه وأزوره في منزله، حيث يقابلك بابتسامته المعهودة وتفاؤله وإخفاء ألمه عن أقرب الناس له، وكان كل من عرفه وزامله يحرص على التواصل معه وزيارته في منزله، فقد كان باراً بوالدته وحريصاً على تطمينها على صحته وكذلك أسرته وإخوته حتى قضى الله أمراً كان مكتوباً رغم تحسن حالته في الفترة الأخيرة، لكن هذا ما قدره الله ولتنتهي تلك النفس الطاهرة ويغادر هذا الجسد الذي كان موارته الثرى بحضور تلك الجموع وهم شهود الله في أرضه تترجمها تلك الحشود المحبة، فلم يخاصم أحدًا أو يدخل في نزاع مع أحد في أي أمر من الأمور الاجتماعية أو الدنيوية ولا يذكر أحدًا عنه إلا بالخير، ويتسامح مع من أساء إليه فكسب حب الآخرين بعدم الدخول في خصوصياتهم، زاملته أعوامًا عديدة عندما انتقلت مديراً لمتوسطة خبيب بن عدي وكان هو المرشد الطلابي في تلك المدرسة فوجدت فيه الرجل المخلص في عمله، كان أباً للطلاب وصديقاً لآبائهم وكان يحسن استقبالهم وحل مشاكلهم، أستذكر بعض المواقف التي أشهد الله عليها وبعضها لم نعلم عنها في زمن جائحة كورونا فقد كان يتابع الطلاب لدخولهم منصة مدرستي عندما كانت الدراسة عن بعد وحين وجد أحد الطلاب لم يفعل المنصة تواصل مع والد الطالب الذي حضر للمدرسة وكان في هم وضيق بسبب ظروف مالية وعدم توفر جهاز جوال لابنه وكذلك عدم توفر الإنترنت ليتكفل بشراء جهاز جوال وشريحة إنترنت فكان أن فعل حساب الطالب وساهم في سداد فاتورة الكهرباء وحالات عديدة أحدهما اصطحبني معه لزيارة منزل طالب كان يرفض الدراسة ليتم إقناعه ومعالجة الظروف التي ساهمت في انقطاعه عن الدراسة، بل إنه تواصل مع المرشد الطلابي في إحدى الثانويات لمتابعة شقيق هذا الطالب بطلب من والد الطالب وا أنسى كلماته ومواساته لأب أحد طلاب المدرسة في الصف الأول متوسط الذي توفي في حادث مروري عندما زرناهم لتقديم التعزية وقبل أشهر وقبل سفره لمدينة الرياض للعلاج قدم مبلغاً للمساهمة في مساعدة أي أسرة متعففة من بعض الأسر التي لديها أبناء في المدرسة، إنني مهما تحدثت وسطرت فأنا أجد نفسي لم ولن أعبر عن الكثير والكثير عن هذا الرجل الذي غادرنا وترك ألماً في نفوسنا على فراقه، ولا أنسى فرحته وهو يبشّرني بداية هذا العام بقبول ابنه (مشعل) في كلية الملك فهد الأمنية فهو يسير على نهج وطيبة والده وقد التقيته في مقر العزاء بحضور عمه قاسم حمود الهرفي البلوي ووجدت فيه الصبر والاحتساب غفر الله لك أبا مشعل وأسكنك فسيح جناته.
أيها الأخ الصديق الرفيق الباقي في قلوبنا وفي ذاكرتنا رحمك الله وغفر لك وأسكنك فسيح جناته إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه وإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك لمحزونون و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.