خالد بن عبدالرحمن الذييب
هناك قصة تُروى لا أعلم عن حقيقتها سأوردها بتصرف، وهي أن إحدى الشركات الأجنبية قامت بحفلها السنوي لموظفيها، وأثناء السهرة همّ أحدهم بالخروج مبكراً، فاستغرب ذلك شخص بالقرب منه فسأله لماذا يريد الخروج مبكراً، فرد أن لديه بعض الأعمال ويريد أن ينهيها صباح الغد، فقال له صاحبه: لا عليك الشركة عادة في صباح اليوم التالي للحفل السنوي لا يكون هناك تركيز كثير على الأعمال، بمعنى آخر «لا تشدها»، فقال: أعلم ذلك ولكن هناك أعمال طلبها مني المدير أوكلت لي من قبل بعض الزملاء لا بد أن أنهيها، فقال صاحبه: إذا كان ولا بد هناك موظف اسمه جاك أعطها إياه وتعال كمّل السهرة معنا، فنظر الموظف إلى زميله وقال بأسي: أنا جاك!...
أذكر هذه القصة، وفي بالي عبارة خاطئة وهي «رضا الناس غاية لا تُدرك»، فغلطة جاك هنا أنه حاول إرضاء جميع الناس فاستغله الناس لإنجاز أعمالهم. وهذه العبارة في جزئها الأول يبحث عنه الطيبون، المهذبون بزيادة، ولكن لأن هناك من هم أكثر عقلانية فهم يقفون عند حد معين، وأضافوا «لا تُدرك»، بمعنى أنهم لا يختلفون بأن «رضا الناس غاية»، وهذا جميل، ولكن لأنهم عقلاء فقد أدركوا أنها «لا تُدرك» فأراحوا أنفسهم من عناء تأنيب الضمير، فأكملوا العبارة بـ «لا تُدرك» كاعتذار مؤدب أو خجول عن عدم القدرة على الوصول إلى هذه الغاية.
السؤال الأهم هل فعلاً رضا الناس غاية لا تُدرك؟، هل خُلقنا لإرضاء الناس أولاً، لا شك أن احترام العادات والتقاليد والأخذ بأعراف المجتمع أمر هام ويجب الالتزام فيه، ولكن المقصد هو رضا البعض عني في أمور قد تفعلها مجاملة لأحد، سواء في أماكن العمل كحالة «جاك» في القصة أعلاه، أو في العلاقات الاجتماعية.
محاولة إرضاء الجميع ستوقعك في قلق داخلي وضغط نفسي يؤثر على صحتك وعائلتك ومجتمعك القريب، فمحاولة إرضاء الجميع أولى خطوات الفشل، فمن يراك تحقق طلباته بمجاملة، غالباً لا يقدّرك على ما تقوم به، ولكنه يراك تقدم له أمراً اعتيادياً طالما أنك تستطيع القيام به، بل أنه سيتعامل مع طلباته منك على أنها «حقوق» ففي اليوم الذي ستعتذر عن تنفيذ طلب له، لن يقدّرك ويقول لم يقصر، ولكنه قد يغضب ويثور ويتعامل مع رفضك على أنه «تمرد» منك، فهو «تعود» عليك.
أخيراً...
ليس الهدف من الحياة إرضاء الجميع فكما قيل «رضا الناس غاية لا تُدرك»
ما بعد أخيراً...
الحقيقة أن رضا الناس «ليست غاية... لتدرك».