عايض بن خالد المطيري
تشهد مواسم مناسبات الزواج والأفراح ازديادًا ملحوظًا في حجم الأطعمة المهدرة، وهو أمر يُشكّل تحديًا كبيرًا يتطلب الوقوف عنده وتقديم حلول عملية.
يُعدُّ هدر الطعام في هذه المناسبات من الظواهر المؤسفة التي تمثل استهتارًا بالنعمة، في وقت تعاني فيه العديد من المجتمعات من المجاعات ونقص الغذاء. في هذا السياق، يبرز دور الجمعيات الخيرية والجهات المختصة كعنصر محوري في التصدي لهذه الظاهرة، حيث يُعدُّ قرار إلزام قاعات الأفراح ومطاعم الولائم بالتعاقد مع جمعيات حفظ النعمة خطوة مهمة نحو معالجة هذه المشكلة بفعالية.
ومنذ صدور هذا القرار في عام 2020، الذي يلزم أصحاب المناسبات بالتعاون مع الجمعيات المختصة بحفظ الأطعمة، تحولت هذه المبادرة إلى أداة فعالة في تقليل الهدر وتعزيز الوعي السلوكي تجاه تقدير النعمة. فقد مُنحت الجمعيات الخيرية صلاحية إعادة تغليف الطعام المتبقي من المناسبات وفق اشتراطات صحية دقيقة، ثم توزيعه بطرق حضارية تضمن استفادة المحتاجين منه بصورة تحفظ كرامتهم وتراعي سلامتهم. وتكمن أهمية هذه الجمعيات في امتلاكها الخبرة اللازمة لإدارة العملية بكفاءة، ما يضمن سلامة الغذاء وجودته، ويقلل من حجم الطعام المهدر.
ورغم الجهود القائمة، إلا أن النتائج لا تزال دون المستوى المأمول، مما يستدعي تعزيزها بإجراءات أكثر فاعلية. في هذا الإطار، تبرز الحاجة إلى إلزام أصحاب المناسبات بتحمّل تكاليف إعادة تغليف وحفظ النعمة. إذ إن هذا الإجراء لا يمثل فقط وسيلة لردع الإسراف، بل يُحمّل الأفراد مسؤولية تبعات اختياراتهم الاستهلاكية. فعندما يتحمل صاحب المناسبة عبئًا ماليًا مقابل الكميات المهدرة، فإنه سيتجه تلقائيًا إلى تقليل الإسراف والحرص على كفاءة التقديم.
يأتي هذا في سياق أوسع من توجه وزارة البلديات نحو دعم الاستدامة في استهلاك الأغذية. فبالإضافة إلى الإلزام بالتعاقد مع الجمعيات، يجب أن يصاحب ذلك برامج توعية تسلط الضوء على أهمية حفظ النعمة ليس فقط من منطلق شرعي وأخلاقي، بل كواجب اجتماعي ووطني واقتصادي كذلك. فكل وجبة يتم حفظها وتوزيعها تعود بالنفع على المجتمع، وتسهم في تقليل الفجوة الغذائية وتعزيز التكافل بين أفراده.
ومن هذا المنطلق فإن تعاون أصحاب القاعات والمناسبات مع الجمعيات الخيرية لا يُعد مجرد التزام نظامي أو إداري، بل هو شراكة مجتمعية حقيقية تُسهم في إنجاح مشروع خيري ضخم يهدف إلى تحقيق فوائد اجتماعية واقتصادية ملموسة، إضافة إلى ترسيخ ثقافة العطاء والمسؤولية في المجتمع السعودي.