د.محمد بن عبدالرحمن البشر
الحسن بن الوزان أو ليو الإفريقي، أديب وجغرافي، ورحالة وعالم في الأديان، غرناطي الولادة، فاسي المنشأ، جاب أصقاع إفريقيا وحفظ لنا الكثير من عاداتها وطبيعتها وسهولها وجبالها وهضابها، ورحل في ارجائها، واختلط بأهلها وألف كتاب اسمه وصف إفريقيا، كان المرجع الأساسي للأوربيين ومازال مرجعا مهما، ولم يسبق لأحد أن وصفها بما وصف بها الحسن الوزان.
ذهب والده من المغرب إلى غرناطة قبل سقوطها بسنوات محدودة، وولد الحسن هناك، وبعد السقوط المؤلم، وتوقيع معاهدة الاستسلام، بقي في غرناطة لأن الاتفاقية تحفظ للسكان دماءهم ومالهم والاحتفاظ بدينهم، لكن الواقع كان غير ذلك، فبعد الاستسلام هجم الجيش وأخذ في القتل والنهب والسبي والاغتصاب، فهرب مع من هرب في أحدى السفن، لكن قبل هروبه رأى أمام ناظريه مقتل أمه وأخواته، وتمكن من الهرب في إحدى السفن مع والده وعمه، ووصلوا إلى فاس في ايام حكم الوطاسيين، وكان لهم مقام محمود، وقد ذهب عمه لعدة سفارات في إفريقيا رافقه الفتى عدة مرات، وبعد أن أصبح شاباً جعله سلطان فأس الوطاسي سفيراً بينه وبين سلطان مراكش وكذلك السعديون.
يبدو أن إفريقيا قد علقت بذهنه وأحبها، ولهذا فقد ترك الاستقرار في فاس ليتنقل في إفريقيا ويحفظ لنا جغرافيتها وعادات أهلها، وقد لقي الكثير من النجاحات والإخفاقات والمتاعب، ثم رحل إلى المشرق ومر بمصر وهي بلد العلم، لكنه لم يستقر هناك لسبب لا نعرفه، ربما ان الإضرابات، وتغير الحكم، وقدوم الجيوش العثمانية في زمن سليم الأول جعلته يغادرها.
حل الفتى بالبلاد المقدسة، لكن لم يصلنا من خلال قلمه وصفاً كافياً لهاً، ربما انه قد فقد مع ما فقد من أجزاء كثيرة، أو انه لم يذهب إلى هناك، وربما أن ما حدث له لاحقا جعله ينصرف عن ذكرها، ثم غادر إلى غرب آسيا، ولم يذكر أنه قابل سليم الأول أو أحد من كبار القوم، مما يدل على انه ذهب برغبته وليس لأجل مهمة رسمية.
عندما ركب السفينة عائداً إلى بلاده هاجم السفينة قراصنة قرب سواحل تونس، وسلبوا الركاب وأخذوا السفينة، وقتلوا الرجال، لكنهم رأو ان هذا الشاب يحمل علماً وحكمة ورزانه، لاسيما انه يتكلم اللاتينية والإسبانية، فأخذوه وأهدوه للبابا ليو العاشر، وأعجب به وحوله إلى النصرانية رسمياً، لكن الله أعلم بما في نفسه، وقرأ عن الأديان وتبحر فيها وأصبح له رتبة في الكنيسة، وجعله البابا مترجماً لاسيما من اللغة العربية إلى الايطالية، وهكذا أخذ مكانته.
ما يمكن طرحه للتساؤل، هو عدم ذكره بشكل مفصل عن الحج، هل تم اسقاطها عند الترجمة خوفاً مما سوف يترتب على ذلك، أم أنه لم يكتب عنها لسبب أو لآخر، أو تلف ما كتبه في مذكراته، أو أن النسخة العربية الأصلية المفقودة قد حوت الكثير لكنها لم تظهر لأن الترجمات كانت من النسخة الإيطالية، ومن ضمن ذلك الترجمة التي وصلتنا باللغة العربية، فأهمية الحج لدى جميع الرحالة ظاهرة وبينة في كتبهم، وهم يحرصون على تدوين كل صغيرة وكبيرة، ولا يمكن أن يتجاهلها الحسن الوزان، لا سيما أنه على درجة من العلم ونشأ في بيت علم.