حصة مروان السديري
مصطلح «الربع الخالي» لا يزال غامضًا، مثل الصحراء نفسها. يُقال: إنه مأخوذ من المستكشفين الأوروبيين خلال رحلة استكشاف للمنطقة، مثل برترام توماس في عام 1931، وفيلبي في عام 1932م، أثناء رحلتهم لاستكشاف الربع الخالي.
لكن اللافت أن المستكشف ويلفرد تيسيغر قام بعدة سفرات إلى الربع الخالي ما بين عامي 1945 و1950م، وترك لنا وصفًا مؤثرًا لجمال الطبيعة البرية فيها. حيث ذكر ديكسون في عام 1949 وتيسيغر في عام 1959م أن البدو الذين التقيا بهم في الصحراء لم يسمعوا من قبل بمصطلح «الربع الخالي»، ما جعلهم يعتقدون أن هذا الاسم لم يكن متداولًا بين أهل الصحراء، بل يُستخدم من قبل من يجهل تفاصيلها وحياة ساكنيها.
يمتد هذا البحر الرملي على أكثر من 650,000 كيلومتر مربع، أي أكبر من مساحة فرنسا وبلجيكا وهولندا مجتمعة. وقد وُصفت من قِبل الرحالة بأنها أرض قاسية وشبه خالية من الحياة، لكن الحقيقة أعمق من ذلك بكثير.
الربع الخالي ليس خاليًا، بل هو غني بتاريخ يعود إلى آلاف السنين. ففي العصر الحجري الحديث، شكّلت التغيرات المناخية والزيادة في الأمطار الموسمية بحيرات موسمية، مثل بحيرة المندفن التي نشأت خلال العصر الجليدي والهولوسين، لكنها جفّت لاحقًا. وعلى ضفافها، عُثر على أدوات حجرية وآثار تعود لفترة تمتد بين 6500 و4500 قبل الميلاد، ما يدل على استيطان بشري نشط آنذاك.
كما أنه في العصور اللاحقة، كان موطنًا لقبائل عربية عريقة، أبرزها قبيلة آل مرة، التي وثّقها عالم الأنثروبولوجيا دونالد باول كول حياتها في كتابه بدو البدو 1975م، حيث وصف كيف تنقلوا داخل الربع الخالي برعيهم وقطعانهم، مستفيدين من نباتاته التي تُقدّر كمياتها بنحو 4000 ميل مكعب.
من يجهل الصحراء يراها خالية، لكن من يعرفها، يدرك أنها زاخرة بالحياة والتاريخ، وأن فيها آبار مياه معروفة منذ مئات السنين.
لذا، فهو ليس «ربعًا خاليًا»، بل «ربعٌ غالٍ» على من يعرف قيمته ويقدّره!