سهام القحطاني
«ولترقص الجثث المتحللة في انتشاء.. إن لوسيفر والحق يقال..راض».
د.أحمد خالد توفيق.
تبدأ الحكاية من الخطايا السبع التي تختفي داخل الجانب المظلم لكل إنسان «الغرور والكبرياء والشهوة والحسد والشراهة والغضب والكسل» فهذه الخطايا هي التي يتغذى عليها لوسيفر ويدخل من خلالها إلى عقيدة الإنسان ليهز ثباتها بل ويلغيها.
وهي الغاية الأولى التي راهن عليها منذ البدء «وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين» -البقرة، 36- ومنذ الهبوط الأول و الصراع بينهما قائم حتى قيام الساعة، لكن حيله في هذا الصراع تتطور مع تطور وتوحش الإنسان وعلو طموحه وسعيه الدائم إلى القوة الفائقة.
غالبا ما يظهر اسم لوسيفر في قالب رمزي أو وصفي ونادرا ما يظهر في طبيعته الشيطانية.
وأول علاقة عهد توقيع بين لوسيفر والبشر كان متمثلا في السحر، فالسحرة يقدمون عهود توقيع لبيع أروحهم مقابل حصولهم على علم السحر، ولقبول هذه العهود لا بد أن تقدم قرابين، وفكرة القرابين بنيت عليها «رمزية الدم» كونها رمزية تحقق مصداقية المتعهد وصدقية العهد.
ومن هنا ظهرت علاقة خفية بين أسطورة «مصاصي الدماء» ولوسيفر، حتى أصبحت صفة من صفاته، فالدم البشري هو رمزية للأبدية سواء كغذاء أو قربان أو توقيع عهد.
وكان أول ظهور لاسم لوسيفر كان في الأساطير الرومانية يرمز إلى أنه «جالب الضوء» ولعل لهذه الرمزية ظهرت طائفة «المتنورين» ولعل صفة هذه الطائفة مشتقة من الرمزية الرئيسة للوسيفر في الأساطير «جالب الضوء»، الذي ينسب إليها أنها وراء كل صفقات توقيع العهود.
هذه الرمزية التي تمثل الضدية الكلية في التواجد كونه في حقيقته منطقة الظلمة في العالم البشري باعتباره الشر الكامل.
وهذا التضاد هو تلاعب لحقيقة دورها العالمي، فطائفة المتنورين كونها هي رمزية للضوء كما يدل اسمها في ذات الوقت تمثل ضدية الظلمة من خلال ما يحاط بها من أسرار تجعل حقيقتها في غموض دائم.
وهذه الصورة ظهرت في رواية «فاوست» عند الكاتب الإنجليزي «كريستوفر مارلو» و»يوهان جوته» صراع الخير والشر وعوالم الظلام والنور، وتتجلى في شخصية فاوست «العالم» وهذه رمزية غريبة في إنساب العلم لقدرات شيطانية، وهذا الانتساب ليس أيضا بغريب في الثقافة العربية فقد كان ينسب أجمل الشعر لأي شاعر بسبب قرينه من الشياطين، وقيل إن لامرئ القيس شيطان يسمى «لافظ بن لاحظ» و»مسحل بن أثاثة» شيطان الأعشى، وكأنهم عقد صفقة مع هؤلاء الشياطين من أجل الإبداع ومجده، ويقول الشاعر العربي:
إني وكل إنسان من البشر
شيطانه أنثى وشيطاني ذكر
وهذا لا يقتصر على الشعر بل على كل أنواع العلوم وخاصة تلك التي تخالف المعتقدات الدينية لذا عدت موضوعات الفلسفة عند المسلمين قديما من علوم الشيطان، وعدت الكنيسة النظريات العلمية التي تخالف الأعراف الفكرية للطبيعة من علوم الشيطان.
وفكرة توقيع عهد مع لوسيفر كجالب للضوء المتمثل في الإبداع والعلم والشهرة ليست بجديدة، كما فعل «فاوست» عند وقع عهد بيع روحه مع لوسيفر مقابل منحه قوة العلم والمعرفة، وفي رواية أوسكار وايلد «صورة دوريان جراي» الذي وقع عهد بيع روحه مع لوسيفر مقابل تخلصه من الشيخوخة وبقائه في سن الشباب.
وهذه الفكرة نراها عند «قارون» الذي نسب علمه وماله لقوته المعرفية.
وتحكي قصة «مفترق الطرق» عازف الجيتار الذي وقع عهد بيع لروحه مع لوسيفر من أجل منحه موهبة موسيقية لم يصل إليه أحد ويقال إن «روبرت جونسون» هو ذلك العازف.
ولم تبق عهود لوسيفر السوداء محصورة في الروايات والشعر مثل الكوميديا الإلهية لدانتي والفن بل إنطلقت بقوة الصاروخ في السينما العالمية.
وتتطور وسائل العهود مع لوسيفر وفق تطور كل عصر، هذا التطور الذي يجعلنا نقف أمام «الإنترنت المظلم» الذي عزز طقوس القرابين والتضحيات والاتجار بالشر كعهود للشهرة والمال.
ولم يعد توقيع عهد مع لوسيفر يحاط بالسرية بل أصبح يحظى بالإشهار من خلال المشاهير العالميين سواء من خلال حركاتهم التي تؤشر إلى صفقات العهود السوداء أو كلمات الأغاني، حتى إن البعض يجاهر بتلك العهود مثل ليدي غاغا التي أقسمت بلوسيفر في مقابلة تلفزيونية أمام ملايين الجماهير إضافة إلى كلمات أغانيها.
وصدق الله جل جلاله عندما وصف هذه العقود السوداء بين لوسيفر والإنسان «كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر فلما كفر قال إني بري منك إني أخاف الله رب العالمين» -الحشر، 16-.