أ.د. محمد خير محمود البقاعي
اتضح من سياق التقرير الذي نترجمه ونعلق عليه أننا أمام عدد ممن يحملون النسبة نفسها؛ أشهرهم: جان باتيست فيسيير وجان ألكسندر فايسيير.
وقد ارتبط مسارهما المهني بمصر والجزيرة العربية والحبشة.
ومن عجيب الموافقات أنهما ولدا في المدينة نفسها إسباليون Espalion
وربما كان بينهما علاقة قربى كما يقول غيمار.
ومن العجيب أن الكاتب بيير بلان Pierre Blanc مؤلف الكتاب أعلاه عن المدينة التي ولدا فيها ترجم ترجمة وافية لجان ألكسندر فايسيير، ولم يورد أي شيء عن جان باتيست فيسيير الذي كان أكبر سنا، وأكثر شهرة في فرنسا كما وضح ذلك تقرير جيمار.
وكان له دور في الحياة العسكرية مع جيش نابليون، ثم مع جيش محمد علي، وفي الحملة على الدولة السعودية قبل أن ينتهي به المسار في تجارة البن والصمغ والتحف الأثرية وغيرها؛ مما كان رائجا في عهد محمد علي.
وقد سبقت الإشارة إلى أن الدكتور بشير زندال المترجم والباحث اليمني القدير قد ترجم رحلة الصيدلي الفرنسي توماس جوزيف أرنو Thomas Joseph Arnaud في عام 1843م إلى بلاد ملكة سبأ «مأرب»، فقال:
«… انتهيت للتو من ترجمة الجزء الأول من كتاب «توماس» جوزيف أرنو «رحلة في بلاد ملكة سبأ»، الذي كتبه أرنو وحده، وأجلت رحلته الخاصة مع «ألكسندر» فيسيير (الصواب: فايسيير) إلى مصر، لأنها ملحقة على الكتاب.
ونحن بانتظار صدورها.
وهذا أوان العودة إلى تقرير جبريل جيمار الذي يقول:
لقد قام «ألكسندر» دوما، بطريقته المعتادة، بالتقديم لرحلة أخرى لفايسيير؛ (كتبها دوما خطأ بزيادة حرف (S) في آخر الاسم) A. Vayssières (Sic)
رحلة عنوانها: «ذكريات رحلة إلى الحبشة= Souvenirs d»un voyage en Abyssinie)
«أعاد» فيها صياغة سردية الاضطرابات التي مر بها الصديقان حتى عام 1849م، والأحداث التي عايشاها؛ فحكى لنا أنه في شهر سبتمبر من السنة نفسها عُرض على دو كوري (لويس) كتبها غيمار: دوكوري (إلياس عبد الحميد بيه= de Couret (alias Abdul-Hamid-Bey), المسمى: عبد الحميد بيه)، (1812- 1867م) (اسمه لويس لوران دو كوري، Louis-Laurent du Couret)
(رحالة وعسكري وكاتب فرنسي، رحل إلى مصر عام 1834م قبل أن يتوجه إلى الإمبراطورية الإثيوبية. أسلم وأدّى فريضة الحج قبل أن يتجول في بلاد العرب بين عامي 1844- 1845م.
وكتب عن رحلة حجه كتابا نشره ألكسندر دوما وأ. كادو A. Cadot بين عامي 1855-1857م.
وله كتاب بعنوان «خفايا الصحراء، ذكريات رحلات في آسيا وإفريقية» باريس، منشورات E. Dentu
1859م، مجلدان
=
Hadji Abd-el-Hamid Bey (L[ouis-Laurent] du Couret). Les mystères du désert. Souvenirs de voyages en Asie et en Afrique. Paris, E. Dentu, 2 vols. 1859).
عُرِض على عبد الحميد بيه هذا، وهو يدخن في منزله الـشُبُق؛ (وهو غَليون يستعمله الأتراك بقصَبة طويلة) أن يتعرف على اثنين من الرحالين ذوي الجسارة، اللذين لا يعرفهما بعد إلا عبر المراسلات.
إن تلك الرحلة إلى الحبشة التي تقع في مجلدين، ونشرها هتزل Hetzel في بروكسل هي نشرة عن مخطوطة أرسلها فايسيير من إسباليون Espalion إلى «ألكسندر»دوما في شهر أكتوبر 1856م، وفيها حديث عن الصيد في الحبشة أيام الإقامة الإجبارية التي قضاها بطلنا في هذا البلد إثر خروجه العاجل من اليمن. ونجد في الرحلة أيضا قصة شخصية عجيبة؛ قصة بحار اسكوتلاندي من قدماء مرافقي»هنري سولت (1780- 1827م) Henry Salt,
(وهو فنان ورحالة ودبلوماسي، وعالم مصريات إنجليزي).
كان اسم ذلك البحار كوفان Coffin، وكان يعيش منذ أربعين عاما على نمط حياة السكان الأصليين، وقطع كل صلة له بالحضارة، حتى إنه فقد القدرة على استخدام لغته الأم. وبعد عدة أيام من إرسال فايسيير السردية لألكسندر دوما، عاد فايسيير الذي ما يزال في ميعة الصبا، إلى ممارساته المفضلة؛ إنها صيد النمور الإفريقية.
لقد أدرك منطقة النيل الأبيض، وهي المنطقة التي كانت مقر إقامته في غضون عام 1850م.
وأود أن تتاح لي الفرصة لدراسة المدة التي أقام فيها في منطقة أخرى من مناطق هذه المغامرة.
أما أرنو، المرهق، المريض فقد كاد يفقد بصره، فاعتزل بالقرب من أخيه في فيليبفيل Philippeville
(مدينة فرانكوفونية تقع في بلجيكا اليوم). وترك لنا يوميات عن رحلته الثانية إلى [168] اليمن، وما يؤسف له أن المخطوطة غير المكتملة لم تنشر إلا في عام 1894م في دورية مصر:
la Revue d»Egypte
وينبغي قبل أن نغادر سيرة هذا المستكشف البارع ألا ننسى أنه ينبغي الاحتراز من أن نخلط بينه وبين معاصره المهندس جوزيف بونس دارنو (1813- 1884م) Joseph Pons d»Arnaud أو أرنو بيه، صاحب الرحلتين اللتين اشتهرتا لاستكشاف منابع النيل بين عامي 1840- 1843م.
ولكن ألكسندر دوما، وقبل سنة من نشر قصة الرحلة التي نشرت في بروكسل؛ أي في عام 1856م، أصدر لدى الناشر كاديه Cadet، كتابا في ستة مجلدات عنوانه: الحج إلى الحجاز لعبد الحميد بيه، المدينة «المنورة» ومكة «المكرمة». يحمل المجلد الأول عنوانا فرعيا: القاهرة، يوميات رحلة الرحالَيْن أرنو وفايسيير.
إنها أحداث رحلة تقع في 241 صفحة، مهداة إلى «السيد ألكسندر دوما»، وهي مسبوقة برسالتين غير مؤرختين، الأولى من أرنو، تتعلق بمغادرته إلى بلاد العرب عام 1835م، والثانية من أرنو وفايسيير.
كتبت في جدة (وهي غير مؤرخة أيضا، ولكن تاريخها بالتأكيد هو 1839م)؛ لأن الرحاليْن يعربان فيها عن أملهما في أن تكون «سرديتهما الساذجة» لمغامراتهما تتمة لسرديتهما المعنونة:
«خمسة عشر يوما في سيناء». ويتلو ذلك السيرة الذاتية لأرنو الذي نعرفه من قبلُ عبر سلسلة المقالات المنشورة في صحيفة «الأوردر». لقد تعرف أرنو في مصر على اثنين من مواطنيه هما: دوبري Daubry؛ وهو ابن صاحب مكتبة في باريس، التحق بصفة صيدلي بالحملة الأولى على بلاد العرب.
وغونتارد «فرنسوا لويس-رونييه دوفنور (أو دو فنور) (1824- 1849م)
Gontard du Veneur (ou du Veneur)(FrancoisLouis-René), 1824-1849
وهو ضابط متقاعد، وأحد منظمي الجيش المصري.
ويؤكد فايسيير مقولات ألكسندر دوما عن تجواله في بلاد العرب وإثيوبيا.
نشر فايسيير في عدد الأول من أكتوبر 1850م من مجلة العالمَيْن، Les Deux Mondes, مج 8، 1850م، ص 146-178.
مقالا عنوانه: «رحلة في الحجاز وفي الحبشة، مشاهد: العاصفة، وصيد [169] الغزلان، والقرود، وغزوة المسيحيين الشرقيين»=
Scènes de voyage dans l»Hedjaz et en Abyssinie, une tempête, une chasse aux
gazelles et aux singes et une razzia de chrétiens costanis. Vol. 8, No. 1 (1er OCTOBRE 1850), pp. 146- 178.
ولكن مغامرات فايسيير لن يكون لها نهاية مبكرة، ففي حوالي عام 1850م صعَّد في النيل الأبيض، وأسس مركزا في Akorber في منحدر مدينة جندكورو وقابل في التاريخ نفسه لويس إسحاق ألفونس دو مالزاك
(1822- 1860م) Louis Isaac Alphonse de Malzac
(دبلوماسي وتاجر رقيق ومستكشف فرنسي، توفي في جندكورو، ذهب عام 1850م في مهمة إلى مصر، ثم تحول إلى تاجر رقيق، وهو من أوائل الفرنسيين الذين وصلوا إلى بحر الغزال، وأسس عام 1858م مدينة رمبيك Rumbek (وهي مدينة تقع في جنوب السودان، عاصمة ولاية البحيرات)، وأعلن نفسه ملكا). ونجا من القتل في مقره على يد عصابة من قبيلة إثيوبية اسمها Chir (وهي موجودة حتى اليوم باسم شارا Chara).
رسم فيسيير مع دو مالزاك خريطة سكن قبائل Rôls في (بلاد الأنهار) (Pays des Rivières).
(الحاشية 1، ص 169: نشرة الجمعية الجغرافية، السلسلة 4، الجزء 9، رقم 59=
Balletin de la Société de Géographie, IVe Série, T. IX; N° 59).
ويتحدث غيُّوم لوجان Guillaume Lejean في كتابه: رحلة إلى النيلَيْن عن منشآت فايسيير، ومالزاك، وبارتيليمي، وبونسيه، وعن ممتلكاتهم. ويزور آثار أكوربير Akorber في عام 1860م.
«لقد كان ذلك المكان كما يقول لوجان حديقة في أوج ازدهارها، ومع ذلك، قرر فايسيير بعد خمس أو ست سنوات (أي خلال عام 1856م)، مغادرة الموقع بعد أن سيطرت عليه نزوة مغادرته ليذهب للاستقرار في قلب منطقة بحر الغزال».
وإنه لمن الجدير بالذكر هنا أن فايسيير أقام عام 1856م في إسباليون؛ مسقط رأسه»، وأرسل إلى ألكسندر دوما المخطوطة التي نشرت في بروكسل في العام التالي.
إذن، إنه لمن المرجح أن فايسيير استقر بعد عودته من إسباليون على ضفاف بحر الغزال. ويتحدث لوجان عن منشأة بارتيليمي Barthélemy التي تسمى حلة باتيلا (Helleh Batila) تشريفا لمحظية بران رولليه Brun- Rollet ، وقد سميت بعد حين بالعربية ( أبو كوكا) »Abou Kouka»، وفيها مسكن صغير للإخوة بونسيه.
وسميت كذلك بلقب أحد العرب المصاب بالقِيلَة المائية hydrocele (انتفاخ الخصيتين لتجمع الماء فيهما).
وفي ترجمة المستكشف الفرنسي فرانسوا لو سان (1833- 1868م) François Le Saint أنه توفي في قرية «أبو كوكا»، وهو الاسم العربي لمنطقة هي اليوم في جنوب السودان على الضفة اليمنى للنيل الأبيض، وهو المقابل العربي لاسم أميلوني (Ameloni). وقابل فايسيير في جندكورو ذهبية الدكتور ألفريد بونيي (1817- 1861م) D. Alfred Peney
(حاشية 1، ص 169: انظر كتاب مالت بران، الدكتور بونيي، وآخر استكشافاته (1860- 1861م)، في نشرة الجمعية الجغرافية، يوليو 1886م
=
MALTE-BRUN, Le D» Peney et ses dernières explorations (1860-1861 ), in Bull. Soc. Géogr., juillet 1866).
وكان هذا الطبيب المميز، وعالم الإثنوغرافية، المتزوج من حبشية أنجب منها عدة أبناء، مات أحدهم منذ بعض السنوات، وكان موظفا في إدارة الخطوط الحديدية المصرية. ولنا لقاء.