ناهد الأغا
عندما نتحدث عن فن أدبي نثري طويل بعض الشيء، ومن خلاله تحكى قصة خيالية أو واقعية مؤلفة من سلسلة من الأحداث المترابطة ومحكمة الإتصال بين بعضها والتي تتطور أحداثها عبر الزمن؛ وتشتمل ربما على شخصيات متعددة تستند إلى خلفيات تزداد تعقيداً عبر السرد وتتفاعل بمجموعة من التحديات والمشاكل فإننا بهذا الوصف نعني «الرواية»...
وتسلسل الأحداث تلك ووفقاً لعلاقات معينة يوردها الكاتب تكون متسلسلة بشكل مدروس لعرض تجربة إنسانية تؤطر ضمن عنصر الإثارة والتشويق وفي بيئة معينة لمجموعة من الشخصيات؛ والروائي أو الكاتب تختلف طريقة سرده في روايته عن رواية آخر؛ فهذا تتساقط منه الكلمات وكأنها نبضات؛ دموع؛ حيث يتورد الرمان في وجنتيه.. ولغزارتها تحط النوارس في خلجان عينيه؛ وآخر يسكب حنينه اشتياقا؛ فيشاغبه ذاك العطر الذي يؤجج شوقاً يحترق بعشقه سرب فراش شغوف به رغم علمه بأنه هلاكه.. وذاك روائي آخر يغوص في عمق خياله فيلتقط من قاعها ثمين الدرر..
والرواية الأدبية تقوم أركانها على عدة عناصر وهي:
«موضوعها» ويعني الفكرة التي تجسدها أحداث الرواية وتتحدث عنها؛ ويمكن للكاتب اختزالها بجملة أو اثنتين عبر تصور أولي وبسيط قبل البدء بكتابة الرواية..
ثم تأتي «الحبكة» التي يقصد بها سير أحداث الرواية لتتصاعد باتجاه الحل..
ومن ثم «الشخصيات» التي تعتبر المحور والمحرك الأساس لأحداث الرواية وتفاعلاتها للتقدم للأمام..
أيضا «الحوار» ويتجسد بذاك الصوت المسموع لأفكار الشخصيات ونوعية الأسلوب الذي تتواصل به فيما بينها ومع بعضها البعض..
ثم يأتي «السرد» الذي غالباً يؤديه راو يلعب دور حلقة الوصل بين شخصيات الرواية والقارئ..
وتبعا لحبكة الرواية فإن لها أنواعا متعددة أورد بعضها:
«الرواية العاطفية» التي يخلص القارئ من خلال سردها بأنها تتحدث عن تجارب عاطفية وإنسانية قد تكون مؤلمة إلا أنها تشير من خلال سياقها إلى قضية نبيلة وغالباً تلك التي تحكي قصة حب يتخللها الخير بمجملها؛ وهنا تحضرني رواية «نادية» المترفة بالعاطفة ليوسف السباعي وقد قرأتها أكثر من مرة لجمالها..
«الرواية التاريخية» حيث تسلط الضوء على الشخصيات التاريخية ويكون جل اهتمامها بالحضارات القديمة..
«الرواية البوليسية» التي تظهر أحداثها الكشف عن جريمة ما عبر تسلسل تشويقي يستهدف من خلاله الكاتب ذلك الحدث؛ وروايات آرثر كونان دويل وأجاثا كريستي مثالاً على هذا النوع..
«الرواية النفسية» التي يستهدف خلالها الكاتب الشخصيات من خلال انفعالها بتركيزه على الذات الإنسانية ومن خلال الحوار الداخلي؛ وخير مثال على هذا النوع رواية «عودة الروح» لتوفيق الحكيم..
«الرواية الهزلية» والتي غالباً تحولت إلى أفلام لأنها تهدف إلى إمتاع القارئ حيث لاقت نجاحاً كبيراً وخير مثال عليها روايات موليير..
«رواية القصص» التي تسرد مجموعة أحداث وحكايا يعتمد فيها الكاتب عنصر الإثارة مما يظهر انفعالات القارئ..
«الروايغ القصيرة» وهي أقصر من الرواية وأطول من القصة لكنها تبقى محافظة على أسلوب الرواية وبنيتها الفنية وأشهر مثال عليها «رواية الشيخ والبحر» لارنست هيمنغواي..
«الرواية الفكرية» وتتجلى فيها عرض المبادئ الفلسفية وآراء الكاتب الفكرية من خلال السرد؛ وقصص فولتير خير مثال عليها..
وهناك أيضا الرواية المستقبلية؛ الرواية المثيرة؛ والرواية الريفية..
ومن خلال حديثنا عن الرواية يسوقنا المقام إلى تعريف السرد الروائي والذي يشمل باقة من التقنيات التي يرسم الكاتب أو الروائي من خلال أحداثها الصورة المنشودة التي ترنو نفسه إلى توضيحها والمطبوعة في ذهن قرائه وجمهوره ويشمل ذلك: وجهة نظر السارد سواء كانت تسليط ضوء كالعدسة أو ربما شخصية أو غير شخصية والتي بوجودها يتم إبلاغ القصة؛ كما أن صوت السرد يدل على الشكل ويعني بمفهومه نوع من العرض التقديمي؛ أيضاً من خلاله يتم إبلاغ القصة..
ويمكن اختزال السرد وتعريفه بشكل أبسط؛ فهو الطريقة التي ينتهجها الكاتب أو الروائي لتقديم الأحداث وقد تكون بضمير الغائب حيث يتكلم عن الماضي؛ أو ضمير المتكلم؛ وقد يلجأ الروائي إلى طرق أخرى كالاستباق أو المناجاة الذاتية وعلى هذا فإن الأهمية في الرواية هي عناصر سردها لأنها الأساس الذي يبني عليه الكاتب العالم الذي تدور فيه أحداث روايته؛ تلك التي يستخدمها لنسج الأحداث وتحديد أدوار شخصيات روايته..
وللسرد عناصره الرئيسة وهي:
الراوي؛ الشخصيات؛ الزمان والمكان؛ الأحداث؛ واللغة وكلها يجب أن يكون الكاتب لديه الحنكة بتنظيمها وفق ترتيب زمني؛ وكما أشرنا إما بتقديم الأحداث أو بالعودة إلى الماضي..
ولكل كاتب طريقته في سكب عناصر سرد روايته ويمكن أن يتفرد بها لكن تبقى بالمجمل لها أهمية بالغة تتلخص بنقاط متقاطعة وهي:
أن عناصر السرد تمثل العامل المساعد في إيصال رسالة يرغب من خلالها الكاتب ايصال ما يجول في خاطره وتكون العامل الرئيس في تسهيل تفاعله مع الأحداث والشخصيات..
أن الذي يساعد على بناء قصة منطقية ومتماسكة هو تداخل عناصر السرد مع بعضها البعض..
تظهر احترافية الكاتب من خلال دمج عناصر السرد وترتيبها لخلق عالم خيالي يشعر القارئ بأنه يعيش في جو حقيقي وربما يخمن ما قد يقع من الأحداث..
وعلى هذا القدر من الأهمية لعناصر سرد الرواية والتي تجعلنا ندرك حجم الجهد المضني الذي يبذله الكاتب لخلق عالمه الروائي الخاص به؛ ذاك الأمر الذي يعزز بالاسهام وبشكل كبير في تطوير ملكاتنا الكتابية ومهاراتنا الإبداعية في القراءة؛ لاسيما بعد دراسة كيفية بناء الرواية وعملها والأهم من ذلك كله فهم الرسائل التي يضعها الكاتب بين دفتيها..
ويبقى الروائي أو الكاتب عندما يبدع بعناصر سرد روايته أشبه بالجواهرجي الذي يصوغ بعناية فائقة قل نظيرها قطعة من المجوهرات ويتفرد باستثنائية في تقنيتها التي تبهر كل من يقع ناظريه إليها.
وأخيراً..
لأنني أؤمن أن الإنسان قادر أن يعيد رسم الخرائط التي ظنها البعض ثابتة، ولأن الكلمة حين تُزرع في أرض خصبة لا بد أن تُثمر يومًا.
فبعد زيارات متكررة لديوانية القلم الذهبي، وبدعوة كريمة من الأستاذ القدير ياسر مدخلي
كنت أعود في كل مرة محمّلة بقرار اتخذته محفز بالمكان والرؤية
القادم أجمل.
رواية تشبهني وتنتظر أن أمنحها صوتًا.