د.م.علي بن محمد القحطاني
قال الله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27].
وفي حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: «الحجاج والعمَّار وفد الله، إن دَعوهُ أجابهم، وإن استغفروهُ غَفَرَ لهم».
فالحاج هو ضيف على الله، ومن يزور الله يُكرم، ومن مظاهر كرم الله أن يُسخّر له من يقوم بخدمته ورعايته، والحمد لله الذي أكرمنا بهذا الشرف.
ففي الأيام القليلة الماضية بدأت طلائع ضيوف الرحمن بالتوافد من خلال منافذ المملكة الجوية والبرية وحتى البحرية لأداء مناسك حج هذا العام وسط ترحيب وحسن وفادة وسهولة وسلاسة الإجراءات بفضل ما سخرته حكومة خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- من إمكانيات آلية وبشرية وتقنية، وما هذه المرحلة وحتى نهاية الموسم إلا كقمة جبل الجليد الذي يظهر على السطح، ولكن هناك من يجهل أو يتجاهل حجم ذلك الجبل من جهود ومشاريع ومبادرات بدأت فور انتهاء موسم العام الماضي بعقد اجتماعات تتجاوز مئات ساعات العمل ما بين اجتماعات وورش عمل وتجارب افتراضية وحلقات نقاش على كافة المستويات والأصعدة لتقييم كل خطط وإجراءات العام الماضي لاستخلاص العبر والدروس المستفادة لتعظيم الفائدة من الإيجابيات ومعالجة السلبيات والبدء في استعدادات هذا الموسم فسخرت الدولة كل إمكانياتها لاستقبال ضيوف الرحمن من موظفين عسكريين ومدنيين فنيين وإداريين رسميين ومتطوعين ووظائف موسمية تتجاوز مئات الآلاف لتوفير أقصى درجات الأمن والأمان والطمأنينة والراحة.
وما هذه النجاحات إلا ثمرة الجهود الحثيثة والعمل الدؤوب والتنظيم الدقيق والترتيبات المتميزة التي شكلت السمات الأساسية لهذه المنظومة وبفضل الله نلحظ في كل عام تطورا جديدا أو التوسع فيما هو قائم بعد أن أثبت نجاحه وجدواه، فمن المبادرات التوسع في مبادرة «طريق مكة» التي تنفذها وزارة الداخلية لعامها السابع ضمن برنامج خدمة ضيوف الرحمن - أحد برامج رؤية المملكة 2030 بهدف تسهيل إجراءات الحج وتيسير رحلة ضيوف الرحمن من بلدانهم إلى المملكة بيسر وطمأنينة.
وكذلك التوسع في «الطرق المطاطية والباردة» لخدمة الحجاج وذلك بتغيير الطبقة الإسفلتية واستبدالها بطبقة مطاطية صديقة للبيئة وتسهل حركة المشاة وأيضاً تخفيف درجة الحرارة حيث يهدف المشروع إلى تحسين وجودة الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، وتفعيل المشاعر طوال العام لتسهيل حركة المشاة من كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة وتوفير الخدمات اللازمة للحجاج والزوار وأنسنة الحياة لتحقيق الاستدامة البيئية سيكتمل هذا العام أطول ممشى في العالم بطول 22 كلم من عرفات حتى المسجد الحرام وأجزاء منهم مظللة يمر على مزدلفة ثم مشعر منى ثم المسجد الحرام، به جميع الخدمات التي يحتاجها الحاج رذاذ الماء المياه المبردة، المقاعد على طرفي الطريق دورات مياه.
ومن الإشكاليات بل المشاكل التي حدثت ومن المتوقع حدوثها ولو بدرجة أقل مخالفي أنظمة وتعليمات الحج وأهمها الحج بلا تصريح، ولكننا نطمح في اختفائها تماماً، فالتصريح يعتبر وثيقة تأمين لكل حاج من الدولة تلتزم فيه بتأمين السكن والإقامة في مكة والمدينة وجميع المشاعر والتنقل بينها والرعاية الصحية المتكاملة والأمنية في أجواء روحانية ليتفرغ الحاج للعبادة وأداء مناسكه بكل يسر وسهولة بعيداً عما يمكن أن يفسد حجه أو يعكر صفوه، ولذلك دعت وزارة الداخلية للإبلاغ عن كل من يقوم أو يحاول القيام بنقل مخالفي أنظمة وتعليمات الحج، وتم تطبيق غرامة مالية كبيرةٍ بحق كل من يقوم بنقل أو يحاول نقلهم بهدف إيصالهم إلى مدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة ومصادرة وسيلة النقل البري التي يثبت استخدامها، وأهابت الوزارة بالجميع الالتزام بأنظمة وتعليمات الحج التي تهدف إلى المحافظة على أمن وسلامة الحجاج لإداء مناسكهم بيسر وطمأنينة، وسارعت وبكل شفافية للإعلان أولاً بأول عمن يتم القبض عليهم بهذه الجريمة وبما طبقت عليهم من عقوبات، فها هي -وبالأمس القريب- أعلنت عن ضبط (10) وافدين و(10) مواطنين لمخالفتهم أنظمة وتعليمات الحج بنقلهم (48) مخالفًا لا يحملون تصاريح لأداء الحج، وأصدرت الوزارة بحق الناقلين والمساهمين والمنقولين قرارات إدارية عبر اللجان الإدارية الموسمية، تضمنت عقوبات بالسجن وغرامات مالية تصل إلى (100,000) ريال، والتشهير بالناقلين وترحيل الوافدين منهم مع منعهم من دخول المملكة لمدة (10) سنوات بعد تنفيذ العقوبة، والمطالبة بمصادرة المركبات المستخدمة في النقل قضائيًا، ومعاقبة من حاول أداء الحج دون تصريح بغرامة مالية تصل إلى (20,000) ريال.
ودعت وزارة الداخلية جميع المواطنين والوافدين إلى التقيد والالتزام بأنظمة وتعليمات الحج لينعم ضيوف الرحمن بأداء نسكهم بالأمن والأمان، ولكون مكة الله يعمرها محاطة بالعديد من المحافظات والمراكز والقرى والتي قد تكون ملجأ للمخالفين اختبؤا فيها واتخذوا من جبالها وأوديتها معبراً للمهربين والمتسللين، فلابد من إشراك مسؤوليها وشيوخ القبائل ومعرفيها في هذه المهمة، وأن يكون لهم دور رئيس في السيطرة على تلك المواقع وتحييدهم، بل الاستفادة منهم ومن سكانها والكشافة ومتطوعي مدارسها بالإبلاغ عنهم أيما استفادة.
وفي الغالب يتبنى هذه المخالفات بعض الوافدين ويستعينون بمواطنين عن علم منهم أو جهل، فنحن لسنا بشعب ملائكي، ودافع هؤلاء الجهل وحب الثراء (النسبي) السريع، فلو أنهم أدركوا فداحة الجرم وعظِم المخالفة وتأثيرها السلبي على منظومة الحج وعلى أمن وسمعة المملكة، بل وعلى أرواح بقية الحجاج والعاملين على خدمتهم لما أقدموا على هذه الجريمة النكراء، ولكن ما قامت وتقوم به حكومتنا الرشيدة من حملات توعوية مكثفة وما مارسته من شفافية في الإعلان عن المخالفين وما صدر بحقهم من عقوبات لتكون رادعا لغيرهم، وبهذا فقد انتفت الجهالة والجهل عمن يرتكبها فهو قد قام بهذه الجريمة عن سابق إصرار وترصد، ويجب أن تنزل أقصى العقوبات عليه، ومن وجهة نظري أن يتم تغليظ العقوبات الحالية بالتشهير بنشر صورهم وأسمائهم ونوع الجرم مع إضافة ساعات عمل تطوعي مثلاً مع إعادة النظر في النطاق الجغرافي الممنوع دخوله دون تصريح بتوسيعه، ليشمل تلك القرى والمراكز والمحافظات المحيطة بمكة والمشاعر المقدسة مع تكثيف التوعية فيها من خلال المنابر والمدارس وأهمها الثانوية في هذه المرحلة.