د. رانيا القرعاوي
في زمن تزداد فيه الأزمات المناخية تعقيدًا وتتراجع فيه الموارد الطبيعية، يتقدَّم ملف المياه كأحد أخطر التحديات التي تواجه البشرية؛ حيث يكافح أكثر من ملياري شخص للوصول إلى مياه نظيفة، مما يجعل من المياه قضية تتجاوز الحدود الدولية.
نحن اليوم أمام تحول نوعي تقوده السعودية، يتمثَّل في تأسيس «المنظمة العالمية للمياه» التي جرى توقيع ميثاقها مؤخرًا في الرياض، بحضور دول مؤسسة من ثلاث قارات.
وقد شددت الدول المؤسسة للمنظمة على ضرورة إيجاد رؤية مشتركة لتحقيق استدامة الموارد المائية عالميًا، ومواجهة التحديات المتصاعدة التي يشهدها هذا القطاع الحيوي، وأكدت أهمية العمل الجماعي وبناء رؤية إستراتيجية موحّدة تُعلي من شأن استدامة المياه، وتربط ذلك بالتنمية البيئية والمناخية المستدامة. هذا الميثاق لا يجب أن يمر مرور الكرام على العاملين في المجال الإعلامي، بل هو تنبيه على ضرورة البدء بإحداث تغيير حقيقي في الوعي والسلوك الجماهيري؛ فوسائل الإعلام لا تقول للناس ماذا يفكرون، بل تحدد لهم ما يجب أن يفكروا فيه. ووفقًا لنظرية وضع الأجندة، فإن الإعلام يمكن أن يصنع أولوية جماهيرية من خلال تكرار التغطية لقضايا محددة وربطها بحياة الناس اليومية.
تشير دراسة حديثة إلى أن التغطية الإعلامية الكثيفة لقضايا الجفاف وشح المياه يمكن أن تؤثِّر فعليًا على سلوك الأفراد في استهلاك المياه. فبحسب الدراسة «تغير استهلاك المياه بناءً على كثافة التغطية الإعلامية»، فإن معدل استهلاك المياه انخفض بنسبة وصلت إلى 11.3 % في مناطق شهدت تغطية مكثفة حول أزمة الجفاف، مقارنة بمناطق مماثلة لم تنل الاهتمام الإعلامي ذاته. في السياق السعودي، ومع ريادة المملكة في إدارة المياه، حيث وصلت إلى المرتبة الأولى عالميًا في إنتاج المياه المحلاَّة، ونجحت في تقليل انبعاثات الكربون الناتجة عن التحلية بمقدار 37 مليون طن منذ 2019، تزداد الحاجة إلى إعلام وطني متخصص لا يواكب هذه الإنجازات فقط، بل يتحول إلى محفِّز للتغيير السلوكي، وراوٍ للقصة السعودية في تحويل الندرة إلى استدامة.
ففي الوقت الذي اختارت فيه الأمم المتحدة المملكة كنموذج عالمي في تنفيذ مؤشر الإدارة المتكاملة للموارد المائية ضمن أهداف التنمية المستدامة، ما زالت منظومة الإعلام العربي متأخرة في تناول قضايا المياه بعمق وتحليل وابتكار.
يقول الإعلامي الأمريكي جورج غيربنر: «من يروي القصص يحكم العالم». إن لم يتصدر الإعلام رواية قصة المياه، فسينتج لنا قصة بدون تأثير إيجابي، ومجرد أخبار تُنسى بعد انتهاء الفعالية أو الحدث. وهنا يأتي دور قادة الرأي في الإعلام، من صحفيين ومؤثِّرين وخبراء، لتبني أجندة إعلامية واضحة لقضية المياه، تربط القضية بحياة الناس اليومية. إن تطوير الإعلام البيئي في السعودية يتطلب تجاوز الفجوات الحالية، مثل افتقار الإعلاميين إلى التأهيل العلمي المتخصص والثقافة البيئية المتكاملة، علاوة على قلة الدورات التدريبية التي يشاركون فيها، والتي يمكن أن تسهم في تطوير إمكاناتهم المهنية. بالإضافة إلى انعدام وقلة المصادر المعرفية الدائمة والمتجددة عن القضايا والمشكلات البيئية.
الإعلام لا يجب أن يكون مرآة للأحداث، بل يمكنه أن يكون عصب التغيير. ولكي يتحول إلى ذلك، يجب أن يُعامل كعنصر إستراتيجي في أي خطة وطنية للأمن المائي، فالتنسيق والتكامل بين وسائل الإعلام والقائمين على مشروع ميثاق المياه ضرورة لتحقيق أهداف المنظمة التي تمثِّل انطلاقة جديدة للتعاون الدولي في إدارة المياه.