رمضان جريدي العنزي
يا وطني.. يا حقل الحنطة، وخد التفاح، يا بهاء اللون، وانسكاب الماء، يا هامة العلو، وارتكاز القرار، يا المسار الذي لا يشبه المسار، يا السيف الذي لا ينكسر، والدرع المهاب، يا السياج المنيع، يا منبع الأمان، يا الحيز والمدار، من سالف الأحقاب، وأنت المجد والانتصار، والحرب والسلام، والمعصم والسوار، يا المبخرة والبخور، والسطر والمسطرة، والحبر والمحبرة، والنظر والمنظرة، والشجرة المثمرة، والفاكهة النضرة، والغيمة الحبلى، والقصيدة الملحنة، يا نصوص الشعر، نخلك باسق، وسراجك منير، فيك البهاء، وقيك النقاء، وفيك نشيد الكلام، يا سيد الأوطان، يا لون الزرع، ولون الغمام، يا حدود البهاء، يا اللون البنفسج، أخذتنا بعيداً عن وجع الخراب، وضجيج الحروب، وألفية الموت، والحرائق والوجع والاشتعال، مسجين على فرشنا الوثيرة، نشرب القهوة، ونقرأ كتابا، نتعطر، نشاهد فلم المساء، ونقول الكلام وراء الكلام، وأنت تجابه عنا الخصوم، وتدفع عنا حقد الضباع، وقطيع الذئاب، والخفافيش، وحشود الذباب، أخذتنا من طرقات التيه والضياع، وعجلات الفزع، إلى حدائق الحلم والفرح، وأرض السلام، ننام كثيراً، وغيرنا لا ينام، غيرنا يتوسد الحجر والأرصفة، ونحن نتوسد ريش النعام، غيرنا في زوايا الأمكنة يتسكع، ونحن في حبور ونعمة وأمان، غيرنا سجين خلف قضبان همومه، لا هواء نقي، لا ملبس نظيف، لا حديقة غناء، لا طعام، ونحن نرفل بالنعم الوفيرة وأحوالنا تمام، غيرنا يبحث عن طوق نجاة، أو نورس يلقي له بعض جناحه ليعبر حدود المكان، ونحن نتدثر بالعافية، ونتخدر بالأمان، غيرنا يرحل دون دليل، هارباً من مدن أنهكها الموت، وسكنها العزاء، ونحن نجلس على أرجوحة الفرح، ونضحك للون الغيمة، ونزف السحاب، ونرهف أسماعنا لزقزقة العصافير، وهديل اليمام، غيرنا بيته متهالك، أرضه قحط، وسطحه سماء، وفضاؤه أزيز رصاص، ولهب ونار، ونحن مواقدنا عامرة، وقهوتنا انتشاء، نسافر حيث شئنا، ونحل كيفما نشاء، غيرنا حين يحل المساء يصبح كالخشب، مشدود لبعضه، من أثر الخوف والجوع والبرد والبكاء، ونحن مساؤنا عامر بالأمن والأمان، يا وطني.. يا من أوردتنا الكبرياء، وجعلتنا نعلو فوق هامات السحاب، جاؤوك الأنام من كل حدب وصوب، جاؤوك من مدن منخورة، من أعمدة الدخان، من ضفاف نائية، ومناطق مشؤومة، وفقاعات غليان، من أرصفة ميتة، وأزقة ضيقة، وظلال مكسورة، لتوقظ فيهم الأرواح المهزومة، وتمنحهم الغيم والقمح والدفوالحنان، درأتم عنهم العاصفة، وأوقفت عنهم الزوبعة، يا وطني.. يا رقص البهاء، فجرك ضاحك، وقوامك طويل، وحلمك كبير، ولك قول وموقف، رغم غمغمة النار، وذرات الغبار، لغيرك عليك ألف خطيئة، ولك عليهم ألف صفح، قلوبهم عليك رماد، وقلبك عليهم عندليب، يا انبلاج الصباح، يا خد التفاح، يا كريستال، يا رحيق الورد، ولون السنبلة، يا كوز الماء، لا يضارع عطرك عطر، ولا لونك لون، ولا البهاء الذي تكتسي بهاء، حين تهب علينا الرياح، تغدو لنا زهرة أنيقة من رياض البنفسج، يا وطني.. يا صديق النماء، الرياح الهائجة حولنا، والأصوات النشاز، جابهتها بحلمك، أنهار غيرنا عطشى، ورمالنا ارتواء، يا الذي أقرب إلي من حبل الوريد، يا سابحا في دمي، يا قامعا أصحاب الغواية والوشاية، وأسراب الرعاع، هم يصنعون القبح، وأنت تصنع الجمال، العالم نصفه يحتضر، ونصف مدنه خائبة، ونصف أصواته مشاريع للموت والخراب، وأنت تغزل للحياة قصيدة، النجوم التي خضبها الظلام، تركن بأودية شرايينك، يا ميسان الحضارة والتاريخ والشمس، غيرك بحره بلا ضفاف، ونهره جفاف، وأرضه أصابها القحط والشتات، وأنت النبع والماء والنبت والضفاف، غيرك ينثرون الخوف والجوع والدم في مدنهم الميتة، يمكرون كثيرا ويمكرون، وأرصفتهم خراب، وأنت تهدي للحقول الفصول، قدك حياة، وقلبك فرح، وعطرك به انتشاء، كسرت كل نصال الشرور، وأتقنت برامج البناء، أبيض وجهك، حين اسودت كل الوجوه، تنطق في الحق جهارا، وغيرك في قفص الباطل حيارى، يا أيها الجبل الأشم، قامتك طويلة، وأوديتك عراض، وبحرك أمواجه عالية، وفضاءك وسيع، فليعرف الحمقى أحجامهم الصغيرة، ورغم ضجيج الأفاعي، وخداع الثعالب، وأصوات الضباع، ستبقى سيرتك ليست كأي سيرة، وسيبقى للأغبياء الجنون، ستبقى أنت كما أنت سيداً للنماء والاستطالة والمشاريع الطموحة، ستؤول لحلمك الذي ارتضيت، حتماً ستؤول، فسلام عليك يا وطني من أول الكلام لآخر حدود الكلام، سلام عليك حين يحط الحمام، وحين يطير الحمام، وحين يصب الغمام، فالهمام يا وطني الهمام، وما عليك من بعض الكلام.