د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تبحث قمتا الخليج آسيان والخليج آسيان الصين اللتان انطلقت أعمالهما في 26/5/2025 في كوالالمبور تعزيز الشراكة بمختلف المجالات، وتمثل فصلا جديدا في التعاون الاستراتيجي في ظل ما تشهده دول مجلس التعاون بأنها أسرع الاقتصادات نموا وأكثرها سلمية في العالم، مدفوعة بالتقنيات الجديدة والذكاء الاصطناعي، وبما تحمل هذه الشراكة من إمكانات هائلة قادرة على الإسهام في ترسيخ الأمن والتنمية والازدهار في المنطقتين، ويعزز حضورهما على الساحة الدولية، خصوصا وأن اللقاء يعقد في لحظة فارقة من تاريخ المنطقة والعالم، وتتقاطع فيها التحولات الإقليمية والدولية مع طموحات شعوب المنطقتين نحو مستقبل أكثر إشراقا وأكثر استقرارا تزداد فيه الحاجة إلى شراكات إقليمية أكثر تنسيقا وأكثر تكاملا بما يعكس المكانة المتنامية لتلك التكتلات في الاقتصاد الدولي لتحقيق التنمية المستدامة.
تأتي قمة كوالالمبور الثانية بعد القمة الأولى التي عقدت في الرياض في أكتوبر 2023 فعلت فيها مسارات التعاون بمختلف المجالات ونظمت عدة فاعليات مشتركة، منها المنتدى الاقتصادي الاستثماري في الرياض في مايو 2024 الذي شكل منصة نوعية لتقارب الرؤى بين الجانبين والشراكة في بناء شراكة اقتصادية استراتيجية، ورفع التبادل التجاري بين الجانبين من 122 مليار دولار في 2023، حيث بلغت صادرات دول المجلس إلى آسيان بنحو 76 مليار دولار، فيما كانت الواردات 46 مليار دولار، ويطمح الجانبان إلى إقامة منطقة تجارة حرة البداية تكون مع دولة ماليزيا تمثل خطوة استراتيجية لترسيخ الشراكة.
يبلغ إجمالي ناتج دول الآسيان والخليج والصين نحو 24.87 تريليون دولار، وعدد سكان نحو 2.15 مليار نسمة، يبلغ ناتج الآسيان نحو 3.8 تريليون دولار، مما جعل التكتل خامس أكبر اقتصاد في العالم، كما يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي للعام 2023 ما يقارب 2.1 تريليون دولار، يرتفع إلى 2.2 تريليون دولار عام 2024 يصبح الاقتصاد ال11 عالميا، ومستأثرا بنسبة 60.5% من إجمالي الناتج العربي والبالغ 3.5 تريليون دولار، وأوضحت المؤشرات أن معدل التضخم في أسعار المستهلكين في دول المجلس بلغ في 2023 نحو 2.2% منخفضا عن معدل التضخم العالمي البالغ 3.1%، كما يبلغ حجم أصول صناديق الثروة السيادية 4.4 تريليون دولار ما يعادل 34% من إجمالي أصول أكبر 100 صندوق سيادي في العالم.
يظل التكتل أكبر شريك للصين بتجارة بينهما تبلغ 696.7 مليار دولار، يوفر إمكانات اقتصادية هائلة، ويوفر فرصا أيضا هائلة لجهود التآزر في السوق وتعزيز الابتكار وتشجيع الاستثمار عبر الحدود، وعقدت القمة الثلاثية في كوالالمبور تحت عنوان توحيد الفرص الاقتصادية نحو الرخاء المشترك.
عقدت رابطة دول جنوب شرق آسيا قمة ثلاثية هي الأولى من نوعها مع الصين ودول الخليج العربي، في إطار جهودها لتوسيع التعاون الاقتصادي وتعزيز المرونة في ظل تقلبات النظام التجاري العالمي نتيجة رفع الرسوم الجمركية الأميركية، لصياغة مستقبل أكثر ترابطا ومرونة وازدهارا، حيث تسعى الاقتصادات المعتمدة على التجارة لحماية نفسها لا سيما بعدما نسف ترمب قواعد التجارة العالمية عبر الإعلان عن مجموعة من الرسوم التي تستهدف مختلف دول العالم، وأكد تشيانغ رئيس الوزراء الصيني في القمة أن أول قمة على الاطلاق بين بلاده وقادة جنوب شرق آسيا ودول الخليج هي استجابة لنداء العصر في عالم يعاني من الضبابية الجيوسياسية، ويأتي هذا الاجتماع على وقع وضع دولي متقلب تعد القمة خطوة رائدة في التعاون الاقتصادي الإقليمي، فيما هدف الآسيان ودول مجلس التعاون يسعيان للتنويع.
يتوقع أن ينمو اقتصاد دول المجلس إلى 6 تريليونات دولار بحلول 2050، خصوصا إذا عمدت دول المجلس إلى تنفيذ استراتيجية النمو الأخضر الذي يساعد على التنويع الاقتصادي، حيث أكد اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي نمو الأنشطة غير النفطية في دول الخليج، حيث بلغت مساهمتها 71.2% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في 2024، حيث بلغت نسبة النمو 4.5% في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي مع نمو الاستثمارات البينية الخليجية لتصل إلى 165 مليار دولار، تتسارع تلك الاستثمارات في مشاريع البنى التحتية، والطاقة المتجددة، والابتكار.
أصبح القطاع غير النفطي العنصر الرئيسي في دفع عجلة النمو؛ حيث تركز دول الخليج على تطوير قطاعات الطاقة المتجددة والتكنولوجيا، والصناعات التحويلية، كجزء من استراتيجيات التنويع الاقتصادي، من أجل التركيز على بيئة عمل مستدامة تسهم في تعزيز الاقتصاد الخليجي على المدى الطويل، وهو ما أسهم في تعزيز مشاركة القطاع الخاص الخليجي في مسيرة التنمية الاقتصادية.
لذلك تعتبر منظومة مجلس التعاون الخليجي كتكتل إقليمي اقتصادي من أكثر التجارب نضجا ونجاحا في المنطقة، مكنها من تبوؤ حضور تنافسي على المستويين العالمي والإقليمي، ومن خلال المؤشرات التنافسية في مختلف الجوانب الاقتصادية والتنموية.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقاً