منى بنت سعود الشعلان
إنه عرفات يوم من أيام الله تعالى؛ تُفتح فيه أبواب السماء، وتُغفر فيه الذنوب، وتكفر فيه السيئات، وأكثر يوم يعتق الله فيه من النار، وقد أقسم الله تعالى به في كتابه الكريم بقوله جل جلاله: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ}.
وهذا اليوم شرفه الله تعالى وفضّله بفضائل عظيمة، وخصّه بالأجر الكبير، والثواب الجزيل، وفي هذا اليوم تسكب العبرات، وترفع الأمنيات، وتجاب الدعوات، وتغفر الذنوب والسيئات:
لا تُخْفِ دمْعَكَ إنّه عَرفاتُ
فَهناك تَسكُبُ غيثَها العَبَراتُ
وهناكَ تُغتفَرُ الذنوبُ وتنجلي
عن كلّ قلبٍ غافلٍ ظُلماتُ
وهو من أفضل الأيام لما ثبت من حديث جابر رضي الله عنه؛ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء) وفي رواية: (إن الله يباهي بأهل عرفة ملائكته، فيقول: يا ملائكتي، انظروا إلى عبادي، قد أتوني شعثاً غبراً ضاحين).
ومن فضائله: أن صيامه يكفر سنتين:
لما روي من حديث أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: سُئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن صيام يوم عرفة فقال:»صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده» رواه مسلم.
وهنا سؤال يطرح نفسه: لماذا عاشوراء يكفر سنة؟ ويوم عرفة يكفر سنتين؟
ويجيب عليه الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتابه «بدائع الفوائد» (211/4) بقوله: «
- الأول: أن يوم عرفة في شهر حرام وقبله شهر حرام وبعده شهر حرام بخلاف عاشوراء.
- الثاني: أن صوم يوم عرفة من خصائص شرعنا بخلاف عاشوراء فضوعف ببركات المصطفى -صلى الله عليه وسلم-».
ومن فضائله: أنه يوم عيد لحديث أبي أمامة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب» رواه أبو داود.
قال ابن القيم -رحمه الله- في كتاب «زاد المعاد» (61/1):
«يَوْمُ عَرَفَةَ، يَوْمُ عِيدٍ لِأَهْلِ عَرَفَةَ، وَلِذَلِكَ كُرِهَ لِمَنْ بِعَرَفَةَ صَوْمُهُ».
ومن فضائله: أنه يوم مغفرة للسيئات والعتق من النار لمًا ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء».
قال الإمام ابن عبد البر -رحمه الله- في كتابه «التمهيد» (120/1): «وهو يدل على أنهم مغفور لهم لأنه لا يباهي بأهل الخطايا والذنوب إلا بعد التوبة والغفران».
يا من يجيب دُعاء المضطر فى الظلم
يا كاشف الضر والبلوى مع السقم ِ
قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا
وأنت يا حي يا قيوم لم تنمِ
أدعوك ربي حزينًا هائمًا قلقًا
فارحم بكائي بحق البيت والحرمِ
إن كان جودك لا يرجوه ذو سفه
فمن يجود على العاصين بالكرمِ
ومن الأعمال التي يجب أن يفعلها المسلم يوم عرفة:
- الإكثار من الذكر والدعاء،فيجب عليه أن يجتهد قدر استطاعته، فهذا اليوم المبارك أفضل أيام السنة للدعاء لما ثبت عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» رواه أصحاب السنن.
- التكبير، ومن صيغه أن يقول:
«الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر ولله الحمد».
وفي يوم عرفة نزل قوله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (3) سورة المائدة.
«قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: والله، إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عشية عرفة، في يوم جمعة». رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.
وهذا يوم عظيم على المسلم أن يحرص عليه ويحسن استغلاله بالتنويع في الطاعات من ذكر لله عزوجل وتلاوة للقرآن الكريم والإكثار من الدعاء والاستغفار والصدقة وغيرها من الأعمال الصالحة.
فاللهم بلغنا دعاء عرفة وقبول عرفة، ونسألك ألا تغيب شمس يوم عرفة إلا وقد غابت بذنوبنا.
إضاءة:
{فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} (58) سورة يونس.
إدراك يوم عرفة بعافية، نعمة عظيمة تستحق الشكر قولاً، وعملاً..
استعد لهذا اليوم بنية صادقة، وعمل صالح في أبواب من الخير؛ فأكثر من ذكر الله تعالى، وتصدق، وتذلل بين يدي الله تعالى بالدعاء، هي ساعات قليلة قد تنطوي لغير رجعة، فأحسن استقبالها، ووداعها.