د.عبدالعزيز عبدالله الأسمري
بعد سنوات من الجمود السياسي والتحديات الاقتصادية التي شهدتها سوريا، وفي ظل استمرار تأثيرات الحرب على الحياة اليومية في مختلف المناطق، جاء إعلان الرئيس الأميركي برفع العقوبات عنها، ليفتح آفاقاً جديدة في التعامل مع سوريا. هذه الخطوة عكست الجهود الدؤوبة والتفاهمات التي تمت صياغتها في الرياض، مما يبرز القدرة الفائقة للأمير محمد بن سلمان في إدارة القضايا المعقدة.
ليس سرًا أن المنطقة كانت تتطلع إلى هذه اللحظة، لكن ما أثار الدهشة هو اختيار التوقيت والدينامية؛ ففي أثناء زيارة الرئيس الأميركي إلى الرياض، ومع تزايد الزخم السياسي حول نتائج زيارته، كانت الرياض قد أعدت المسرح بعناية لتقديم مبادرة واقعية تستند إلى البراغماتية، حيث لم يقتصر على طرح المبادرة فحسب، بل قدَّم ولي العهد تصورًا متكاملاً لإعادة تأهيل سوريا ضمن الإطار العربي، ووفق ضمانات اقتصادية وإنسانية قابلة للتنفيذ.
وعلى الرغم من التحديات التي تواجه الوضع الداخلي في سوريا، بما في ذلك غياب المؤسسات الدستورية المستقرة وحداثة الخبرة السياسية للقادة الجدد، إلا أن هذه الفرصة قد وضعت البلاد أمام خيارين رئيسيين، فالأول هو أن تُدار المرحلة بحكمة وعقلانية مما يضمن عودة اللاجئين ويتيح تمثيلاً سياسيًا حقيقيًا للمكونات المجتمعية، وإما التُفريط في هذه اللحظة التاريخية، مما قد يؤدي للعودة إلى التهميش والصراع الأهلي، وعواقبه الوخيمة.
ومن المهم في هذا التحول أخذ الأبعاد الإقليمية والدولية بعين الاعتبار، حيث تواصل السعودية، التي تتمتع بتاريخ غني في تقديم المبادرات السلمية لحل أزمات المنطقة، من اتفاق الطائف إلى محادثات وقف النزيف في اليمن، مما يبرز قدرتها على التأثير، ليس فقط من خلال الموارد المالية أو الطاقة، بل من خلال مشروع سياسي عادل يحظى بقبول واسع من معظم القوى الدولية.
في هذا السياق، فإن إعادة سوريا إلى موقعها الطبيعي ضمن البيت العربي لم يكن قرارًا عاطفيًا، بل صفقة إستراتيجية ذات أبعاد أمنية واقتصادية، ترتكز في جوهرها على معادلة مقايضة واضحة: دعم وقبول دولي مقابل إصلاح داخلي حقيقي.
وعلى المستوى الشعبي، سادت مؤشرات الارتياح والفرح في الشارع السوري حين إعلان الرئيس ترامب رفع العقوبات، خاصة أنها تشمل فك الأرصدة المجمدة، وتحريك عجلة الإعمار، وتوفير البيئة السياسية التي تضمن للجميع حقوق الإنسان وتراعي التعددية السياسية. هذا المشهد لن يكتمل إلا إذا أحسنت دمشق استثمار الفرصة، وأدركت أن ما كان قبل 2011 ليس بصالح ليُعمل به في العهد الجديد.
في الختام، يمكن القول إن ما حدث أثناء زيارة الرئيس ترامب للرياض بشأن سوريا لم يكن مجرد استجابة أميركية لحسابات الربح والخسارة، بل كان نتيجة لتحالف مدروس قادته الرياض، حيث سعت من خلاله إلى إعادة تشكيل معادلات القوة في المنطقة، لتؤكد للعالم أن الحلول تنبثق من العواصم العربية حين تملك الرؤية والإرادة اللازمة.