إيمان حكيم
في السنوات الأخيرة، لم تتغير مشاعر الناس بقدر ما تغيّرت طريقة التعبير عنها. الكلمات التي كنا نستخدمها لوصف مشاعرنا، تجاربنا، وانفعالاتنا، أفسحت المجال لمصطلحات جديدة، أغلبها قادم من بيئات وثقافات مختلفة، تتداولها الألسن اليوم على أنها الترجمة الدقيقة لما نمرّ به، لكنها ليست كذلك بالضرورة.
لم نعد نقول «كما تدين تُدان»، بل «كارما»، ولا نصف الشخص الصعب بأنه «ثقيل عشرة»، بل «توكسك»، ولا نقول «الخيرة ما طلعت طيبة»، بل «من البداية كانت ريد فلاق»، المشاعر المؤلمة لم تعد تُروى باعتبارها تجارب إنسانية تُصقلنا، بل تُختزل في كلمة «تروما»، ومجرد الإعجاب العابر بات يُشار إليه بـ»كراش»، وكأنه شعور لا يستحق التوقف عنده.
هذه التحولات في اللغة لا تقف عند حدود المصطلحات، بل تمتد إلى الوعي الذي تصنعه الكلمة، فحين نُسمّي العلاقة المتعبة بـ»سامة»، قد نُقصي إمكانية إصلاحها أو تفهّمها. وحين نُسمي التجربة المؤلمة «صدمة»، قد نحجب عن أنفسنا فرصة النظر إليها كخبرة قابلة للفهم والمعالجة، لا مجرد ضرر، فليست المشكلة في الكلمات بحد ذاتها، بل في السهولة التي نلجأ بها إليها، دون مساءلة.
إن استخدام هذه المصطلحات، بقدر ما يمنحنا شعورًا مؤقتًا بالفهم والانتماء، قد يسهم أيضًا في تهميش اللغة الأصلية التي كانت أعمق تعبيرًا، وأكثر تماسًا مع الوجدان.
اللغة ليست مرآة فقط، بل أداة تشكيل. والمجتمع الذي يُبدّل مفرداته دون وعي، يبدّل معها طريقته في فهم ذاته، فحين تُصبح الاستعارات المستوردة بديلاً عن المعاني المتجذّرة؛ نتحوّل تدريجيًا إلى أفراد يتكلمون بلسان لا يشبههم، ويشعرون بما لا يعرفونه حقًا، ويختصرون تعقيد الحياة في كلمات رائجة.. لكنها خاوية.
إن ما نحتاجه ليس العودة إلى قاموس قديم، بل الانتباه إلى علاقتنا بالكلمة، وأن نتوقف قليلًا قبل أن نُطلق وصفًا سهلًا، ونسأل: هل هذه الكلمة تُعبّر عني فعلًا؟ أم أنها تُريحني من التفكير؟
نحتاج أن نعلّم أبناءنا التعبير عن مشاعرهم بلغة تُلامس واقعهم، لا لغات مستعارة تخفي المعنى خلف المصطلح.
الحديث عن المصطلحات الحديثة ليس رفضًا للتطور، بل دعوة للتمييز بين ما يُثري وعينا، وما يُضلله، فالكلمة حين تكون مستعارة بلا فهم، تُصبح لا أداة تعبير.. بل أداة انسحاب.