ليلى أمين السيف
الفرصة.. تلك الكائن الغريب الذي قد يمر جنبك يلمّع، يبتسم، يغمز لك، وأنت بكل وقار تقول له: «مشغول الحين، تعال بعد الفاصل». بس يا حبيبي ما في فواصل، هي فرصة وحدة، وقد لا تعود مرة أخرى.
قد تكون الفرصة:
- وظيفة محترمة وأنت تقول: «بشوف إذا تصلح لي».
- أو بنت الحلال (أو زوج الأحلام) وأنت تقول: «مشغول بالدراسة/ التمارين/ بناء مستقبلي».
- أو حتى كوب قهوة ساخن مع صديق أو حبيب... وكلها فرص.
بس المشكلة؟
إن الفرصة لا تنتظر المتردد، ولا تهتم بالنائم، ولا تدق باب الغافل.
تيجي مرّة، تلوّح لك مرات، وبعدها تطير.
الفرص ليست دائماً براقة...
أحيانًا تجي لك لابسة بيجامة، وشعرها منكوش، وشكلها يشبه المسؤولية والتعب والهمّ.
لكن لو نظرت فيها بتمعّن، تلاقي كنزا، تلاقي تغييرا، تلاقي.. انتصارا على نفسك! تلاقي الضوء. تلاقي النجاح..
قال الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ) (الواقعة:10- 14). فرص لا تُفوّت (بس إحنا فوتناها كثير للأسف):
1- لحظات الضيق والعسر إنها أهم الفرص عندما تجد نفسك محشورا بين همّ وغمّ، فهذه ليست نهاية المطاف، إنها دعوة مفتوحة من رب العالمين: «تعال قرب، تعال ناجِ، تعال ارفع يدك».
الفرج يجي على شكل رسالة، أو شخص، أو حتى صوت داخلي يقول لك: «قم! كفى بُكاء، هناك طريق أمامك» ففي لحظات ضيقك وعسرك وحاجتك تتألق إيمانيا وتتعلم كما لم تتعلم من قبل ها أنت قد وصلت لنهاية الطريق. وهنا ثق أنك لن تُخذل ابدا «إن مع العسر يسرا» فلا تتسخط أو تيأس بل تعلم من قصص الأنبياء أن الفرج جاء بعد أن ضاقت الأحوال وأُغلقت الأبواب و سُدت كل السبل، ولكن حبل الرجاء بالله لم ولن ينقطع و أنت لها بيقينك و ظنك الحسن دائما بالله.
2- «فرصة العمر لا تأتي مرتين... فاحذر أن تخونها»
إذا منحك أحدهم فرصة العمر لإصلاح ما أفسدته، فاغتنمها ولا تفرط فيها تحت وهم استغفال الآخرين أو الاعتقاد بضعفهم فلعل تلك فرصتك الأولى و الأخيرة التي لن تتكرر، فلا سماح لمن استباح هو فقط يمنحك الفرصة لعلك تستاهل، فأرجوك لا تكذب مشاعره. الفرصة الثانية مثل الغيم في الصيف.. نادرة. لو ضيعتها، لا تسأل عن المطر بعدين.
3- أحيانًا.. أنت الفرصة:
أيوه، ممكن تكون الفرصة اللي أنقذت أحدهم من انهيار، أو اللي ضحك من قلبه بسببك، أو اللي حياته اختلفت بس لأنك قلت له: «أنا معك». فكم من روح أنهكتها الحياة، ثم جئت أنت، بكلمة، بموقف، بحضور، فكنت له طوق نجاة في بحرٍ متلاطم من التعب.
فلا تستهِن أبدًا بأثر وجودك، إنت بحد ذاتك... «فرصة حياة» لشخص ظن أن لا خلاص له.
4- فرص لا تفوتها :
- صحتك/ ما دامت الضلوع لا تئن، والمفاصل ما تشتكي، فاعرف إنها فرصة!
- وقتك/ لا تقول «طفشان»... قول «ممكن أتعلم شيء جديد بدل تكرار نفس الفيديوهات» وتقليب الجوالات و الدردشات مع هذا و ذاك.
- شبابك/ ترى بيخلص. فجأة تصحى تلقى ركبتك تصرّخ من أول درج.
- الذاكرة/ استخدمها قبل لا تتحول لعبارة «كان في شي ودي أقوله... بس نسيته».
لا تنخدع بما تملكه الآن، من وقت فراغ يبدو طويلًا، وشباب يافع يفيض طاقة، وذاكرة قوية تحفظ التفاصيل كأنها صور مطبوعة، وصحة جيدة تُشعرك بأن الجسد لن يخونك يومًا. كل هذا قد لا يدوم، فانتظار «الوقت المناسب» قد يُفقدك كل الأوقات.
الفرصة لا تأتي دائمًا حين نرتب لها الوقت والظروف، بل تأتي حين نُحسن اقتناص اللحظة رغم كل الفوضى. فلا تؤجل خيرًا تقدر عليه، ولا تتردد في خوض تجربة قد تصنع منك شيئًا أعظم مما تظن.
كلها فرص! ولكنك قد تتسائل بينك و بين ذاتك هذا إذا تساءلت ... «ليش ما سويت كذا؟» تذكّر أن الفرصة قالت لك: «كنت عندك... بس أنت كنت مشغول بـ(لا شيء)»!
وختامها مثل العادة شعر
إذا هبت رياحك فاغتنمها
فإن لكل خافقة سكون
ولا تزهد عن الإحسان فيها
فما تدري السكون متى يكون
وإن درّت نياقك فاحتلبها
فما تدري الفصيل لمن تكون