د. سطام بن عبدالله آل سعد
في كل صباح، تنشر الصحف السعودية مئات المقالات. يكتبها مفكرون، أكاديميون، موظفون سابقون، وأحيانًا مواطنون يملكون رؤية أو تجربة. تتناول قضايا الاقتصاد والسياسة والتعليم والصحة، وتطرح أفكارًا جريئة أو واقعية أو حتى غاضبة. ورغم تنوعها، إلا أنها تمثّل حراكًا فكريًا غير منظم، لكنه حاضر ومؤثر.
ليست هذه المقالات تقارير مموّلة، ولا نتائج ورش عمل رسمية، لكنها كثيرًا ما تسبق القرار في الفهم، وتتفوّق عليه في قراءة الواقع. ومع ذلك، تمر على صنّاع القرار مرور الكرام؛ تُقرأ أحيانًا، وتتداولها المنصات، لكنها غالبًا لا تُؤرشف، ولا تُحلل، ولا يُبنى عليها.
ومن هنا تنبع أهمية إنشاء منصة وطنية، بإشراف وزارة الإعلام، تُعنى برصد وتحليل المقالات اليومية، وتقديم خلاصاتها كذاكرة معرفية تخدم الجهات الحكومية. لسنا بحاجة إلى وسيلة إعلامية جديدة، بل إلى آلية مؤسسية هادئة واحترافية تربط ما يُكتب بالجهة المعنية، وما يُقترح بما يمكن تطبيقه.
المسألة لا تتعلق بتنظيم المحتوى فقط، بل بالاستفادة من رصيد معرفي مهمل؛ فالكثير من المقالات تطرح حلولًا جاهزة، أو مؤشرات مبكرة لأزمات قادمة، تجاهلها لا يُعد تحفظًا، بل خسارة يصعب تبريرها في بيئة يُفترض أن تُدار بالمعرفة.
المقال اليومي يختلف عن الدراسات الرسمية؛ فهو يُكتب من خارج المنظومة، وبحرية تفتقدها التقارير، وبجرأة لا تصلها أوراق الاجتماعات. وهنا تكمن قيمته؛ بالتفكير بصوت عالٍ، ومن زوايا غائبة عن طاولات القرار، وإهماله يعني إغلاق نافذة تهوية في بيئة باتت مشبعة بالمذكرات الداخلية والعروض المتكررة « بوربوينتات».
في الوقت الذي تُنفق فيه الجهات الحكومية مبالغ طائلة على الاستشارات، قد يكتب أحدهم - في سطر صحفي - فكرة تُحدث فرقًا. وهنا تكون المنصة وسيلة لتفعيل هذا المورد المعرفي غير المستغل، بتكلفة محدودة وأثر كبير مستدام.
وليست هذه دعوة لتمجيد الكتّاب، بل لترشيد إدارة المعرفة؛ فالرأي حين يُصنّف ويُربط ويُحلل، يمكن أن يتحول إلى سياسة عامة، ومنصة المقالات ما هي إلا أداة لربط الذكاء الفردي بالمصلحة العامة.
رؤية المملكة 2030 بُنيت على الشفافية والمشاركة المجتمعية وفاعلية المؤسسات، وهذه القيم لا تتحقق من داخل المكاتب فقط، بل أيضًا من خلال الإنصات لصوت المجتمع خارج الجهاز الرسمي.
خلاصة القول؛ قد لا يتطلب هذا المشروع أكثر من قرار، لكنه كفيل بإعادة بناء علاقة جديدة بين الكاتب والمؤسسة، بين المجتمع والجهات الرسمية، وبين الفكرة وصنّاع القرار.
** **
- مستشار التنمية المستدامة