مقرن بن فهاد بن لزام
منذ الأزل، كانت الأحلام عالمًا غامضًا يثير الفضول ويشغل بال الإنسان. فكم من شخص استيقظ من نومه متأثرًا بحلم رآه، متسائلًا: «هل هذه رسالة من الله؟ أم مجرد خيال؟»
في الشريعة الإسلامية، لم يُترك هذا الباب دون توضيح، بل نجد في القرآن والسنة إشارات واضحة تبيّن الفرق بين الرؤيا الصادقة وأضغاث الأحلام وحديث النفس، دعونا نغوص سويًا في هذا العالم الساحر لنفهم كيف يمكننا التمييز بينها، وما هي آداب التعامل مع الأحلام.
أولًا: معنى الرؤيا التي من الله
الرؤيا هي ما يراه النائم وتكون من الله، وهي تحمل في طيّاتها بشارة أو تحذيرًا، وقد تكون واضحة أو رمزية، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن «الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة» (رواه البخاري ومسلم).
وتأتي الرؤيا كإلهام أو رسالة من الله، لا يدخل فيها الشيطان، ويشعر الرائي بعدها براحة وطمأنينة، ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في قصة يوسف عليه السلام {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} (4) سورة يوسف، فقد كانت رؤيا يوسف صادقة وتحققت لاحقًا في حياته.
ثانيًا: أضغاث الأحلام
أضغاث الأحلام هي أحلام مشوشة، غير منطقية، ناتجة عن وساوس الشيطان أو أمور مختلطة، وتكون غالبًا غير مرتبة، مليئة بالمخاوف والمشاهد المزعجة، قال الله تعالى عن أحلام الكفار: {قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ} (44) سورة يوسف، وهنا قال العلماء: المقصود أنها خيالات مختلطة لا معنى لها، ولذلك لا يمكن تأويلها.
ثالثًا: حديث النفس
حديث النفس هو ما يحدث عندما يفكر الإنسان كثيرًا في أمر معين، فيراه في المنام بشكل مباشر أو رمزي، وهو انعكاس لما يشغل باله في اليقظة، مثلاً: من يفكر بالزواج كثيرًا قد يرى في المنام أنه في عرس. ومن يقلق من الامتحانات، قد يرى نفسه في قاعة الامتحان، وهذا النوع من الأحلام لا يُفسر عادةً، لأنه لا يحمل رسالة أو رمزية.
الأدلة من السنة:
إلى جانب ما ذكرناه سابقًا، نذكر أيضًا:
- وعن أَبي سعيد الخدريِّ أنَّه سمِع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: إِذَا رَأى أَحدُكُم رُؤْيَا يُحبُّهَا فَإنَّما هِيَ مِنَ اللهِ تَعَالَى فَليَحْمَدِ اللهَ عَلَيهَا وَلْيُحُدِّثْ بِها وفي رواية: «فَلا يُحَدِّثْ بَها إِلاَّ مَنْ يُحِبُّ، وَإذا رَأَى غَيَر ذَلك مِمَّا يَكرَهُ فإنَّما هِيَ منَ الشَّيْطانِ فَليَسْتَعِذْ منْ شَرِّهَا وَلا يَذكْرها لأَحَدٍ فَإنَّهَا لا تضُّره» متفقٌ عَلَيْهِ.
- وعن أَبي قَتَادَة قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: الرُّؤْيَا الصَّالَحِةُ وفي رواية الرُّؤيَا الحَسَنَةُ منَ اللهِ، والحُلُم مِنَ الشَّيْطَان، فَمَن رَأى شَيْئًا يَكرَهُهُ فَلْيَنْفُثْ عَن شِمَاله ثَلاَثًا، ولْيَتَعَوَّذْ مِنَ الشْيْطان فَإنَّها لا تَضُرُّهُ» متفق عليه.
آداب التعامل مع الأحلام:
الإسلام لم يتركنا دون إرشاد في هذا المجال، فإليك بعض الآداب المهمة:
1 - إذا رأيت رؤيا صالحة: احمد الله، وحدث بها من تحب ومن هو حكيم.
2 - إذا رأيت حلمًا مزعجًا: استعذ بالله، وانفث عن يسارك ثلاثًا، ولا تخبر به أحدًا، عن جابر رضي الله عنه عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: إذَا رَأى أحَدُكُم الرُّؤيا يَكْرَهُها فلْيبصُقْ عَن يَسَارِهِ ثَلاَثًا، وْليَسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيَطانِ ثَلاثاَ، وليَتَحوَّل عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ :(رواه مسلم).
3 - لا تتعجل في التفسير: فالرؤيا قد تحتاج وقتًا لتُفهم، وقد تكون رمزية.
4 - تجنب الكذب في الرؤيا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ مِنْ أعظَم الفَرى أنْ يَدَّعِي الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أبِيه، أوْ يُري عَيْنهُ مَالم تَرَ، أوْ يقولَ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَقُلْ (رواه البخاري).
خاتمة:
عالم الأحلام واسع وعجيب، يجمع بين الإلهام الإلهي وتقلبات النفس ووساوس الشيطان. ومن رحمة الله بنا أنه أرشدنا إلى كيفية التفريق بينها، ووضع لنا آدابًا للتعامل معها. فلتكن رؤانا بابًا للتفكر، لا للقلق، ولنسعَ دومًا لفهمها في ضوء الكتاب والسنة، مع التثبت والتأني.