رسيني الرسيني
بهذه الكلمات، أعلن وزير المالية عن توجه إستراتيجي نبيل يتمثل في تصدير البيانات، كخطوة طموحة تهدف إلى ترسيخ موقع المملكة كمركز عالمي للاقتصاد الرقمي. حيث أوضح معاليه أن المملكة تعمل على إنشاء بنية تحتية رقمية متقدمة قادرة على استضافة مراكز بيانات ضخمة، ستُعامل من الناحية القانونية والأمنية معاملة السفارات، لضمان أعلى درجات الحماية للبيانات السيادية للدول والمؤسسات الأجنبية.
هذا التوجه يأتي في وقت تتزايد فيه المخاوف الأوروبية والأمريكية بشأن سيادة البيانات، ما يجعل المملكة خيارًا جاذبًا بفضل إطار تنظيمي صارم يُحافظ على ملكية الدول لبياناتها، ويضمن عدم تدخل أي جهة في خصوصيتها.
هذه الخطوة تتماشى مع رؤية 2030، التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد الوطني بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على النفط. ويعتمد المشروع على استثمار واسع في الطاقة المتجددة لتشغيل هذه المراكز، مستفيدًا من الموقع الجغرافي الإستراتيجي للمملكة، حيث تُعتبر المملكة نقطة عبور إستراتيجية للكابلات البحرية التي تحمل حركة البيانات بين قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا. هذه الميزة تمنح المملكة قدرة تنافسية عالية في سوق خدمات الربط والاتصال العالمية. كما يُعد هذا التحول خطوة جريئة نحو بناء اقتصاد معرفي يعتمد على «النفط الرقمي» للعصر الحديث، مرهونًا بقدرة المملكة على توفير بيئة قانونية وتنظيمية تحظى بالثقة الدولية.
في هذا السياق، تبرز تجربة أيرلندا كمثال مهم؛ فقد نجحت خلال العقود الماضية في استقطاب كبرى شركات التكنولوجيا العالمية مثل Google وFacebook وMicrosoft، لتصبح مركزًا أوروبيًا رائدًا لخدمات البيانات والحوسبة السحابية، حيث استفادت أيرلندا من حوافزها الضريبية الجذابة، واستقرارها السياسي، وقوانينها المتوافقة مع اللائحة العامة لحماية البيانات الأوروبية (GDPR)، ما عزز من مصداقيتها الرقمية دوليًا. ومع ذلك، واجهت أيرلندا تحديات متعلقة بالاستدامة والضغط البيئي الناتج عن استهلاك الطاقة في مراكز البيانات، وهو ما يمكن للمملكة تجاوزه بفضل توافر مصادر الطاقة الشمسية والرياح، ومساحات واسعة من الأراضي الصحراوية المناسبة لبناء مراكز ضخمة بتقنيات تبريد متقدمة.
نجاح المملكة في تصدير البيانات سيمثل نقلة نوعية في تنويع مصادر الدخل، ويعزز من قدرتها على التحول إلى اقتصاد رقمي متكامل من خلال استثمارها في البنية التحتية الرقمية ومراكز البيانات، ما يسهم في جذب الاستثمارات الأجنبية وخلق فرص عمل تقنية عالية المهارة.
ولتحقيق ذلك، من المتوقع العمل على الإطار القانوني والتنظيمي لحماية البيانات عابرة الحدود، والاستثمار في التعليم التقني لبناء جيل جديد من خبراء البيانات، بالإضافة إلى الاستفادة من وجود الشركات التقنية العالمية التي بدأت بالفعل في بناء مراكز بيانات داخل المملكة.
حسنًا، ثم ماذا؟
هذا التوجه يتيح للمملكة دورًا قياديًا جديدًا في الاقتصاد العالمي، بحيث ستضع نفسها في موقع ريادي في اقتصاد البيانات، تمامًا كما هي في سوق الطاقة لعقود.