فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود
الحرب: الحرب هي حالة من الصراع المسلح بين طرفين أو دولتين أو أكثر، وتتميز باستخدام القوة العسكرية والعنف لحسم النزاعات، ويمكن أن تكون الحرب نتيجة للخلافات السياسية أو الاقتصادية أو الإقليمية أو الأيديولوجية بين الدول.
وفي زمن باتت فيه الحرب متعددة الأشكال، لم تعد ساحات القتال وحدها تحدد مصير الشعوب، بل أضحت القرارات المفاجئة، والصدمات الاقتصادية، وتكتيكات التفاوض أدوات خفية في إدارة النزاعات. فالحرب لم تعد فقط نزاعًا مسلحًا خاص بالسلاح، بل أصبحت أيضًا سلسلة من الإجراءات التي قد تدار من خلف المكاتب في وزارات الاقتصاد، وأروقة السياسة وموائد المفاوضات..
لكن، كيف تعرف الحرب اليوم؟ وهل تغيرت جوهريا عن تلك التي عرفها القدماء؟
وقد عرف الفيلسوف الصيني سون تزو «Sun Tzu» في كتابه (فن الحرب): «الحرب هي مسألة حيوية للدولة، فلا بد من دراستها بعناية، وقدم نصائح عن الحرب أذكر منها: «اعرف نفسك واعرف عدوك»، ويقول «اختر ساحة المعركة بعناية». ويضيف «الخداع هو أساس الحرب»، كذلك «كن مرناً وقابلاً للتكيف، واستخدم الاستراتيجية بدلاً من القوة الغاشمة، وحافظ على عنصر المفاجأة، وأخيراً تجنب المواجهات المباشرة عندما تكون القوة متكافئة».
من هذه المبادئ القديمة، تصل إلى واحدة من أكثر الاستراتيجيات المعاصرة تطرفا في تنفيذها وتأثيرها.
والذي قادني للتفكير تحت وطأة واقعنا المؤلم اليوم الذي تخطى مرحلة اللاإنسانية وبلغ مرحلة مستعصية تفوق الوصف واقعنا يشكل فيه عنصر الاقتصاد والمال هدفاً للحروب، وأداة حيوية لاستمرارها. وهذا ليس بجديد لكنه الظاهرة الحقيقية في سياسة «الشوك اند أوو»، «Shock and Awe»، التي تهيمن بها القوى العظمى على عالمنا اليوم.
الصدمة والذهول الرهبة أو الإعجاب هذا المصطلح الذي نعيشه على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، والسياسي. كان أساسه مصطلحاً عسكرياً يشير إلى استراتيجية عسكرية تهدف إلى إرباك وإضعاف الخصم من خلال استخدام القوة المفرطة والمتفوقة، ما يؤدي إلى انهيار المعنويات والانهزام والتحكم في العدو وقد شرح هذا المعتقد هارلان الماناند (Harlan Ullmanand) وجيمس ويد (James Wade) في عام 1996 وطور خصيصاً للقوات المسلحة الأمريكية من خلال جامعة الدفاع الوطني وصيغ خصيصًا ليستخدم في الجيوش الأمريكية، وكان الهدف إحداث شلل نفسي وسلوكي في صفوف الخصم. عبر استعراض مفرط في القوة والمباغتة والتفوق التقني، فتنهار معنوياته قبل أن يستنزف في المعركة. فعلى سبيل المثال استخدمت الولايات المتحدة هذه الاستراتيجية مرارا في العقدين الماضيين، حين غزت أمريكا العراق وأسقطت نظامها. لكن المفارقة أن هذه العقيدة خرجت من ميدان القتال، وبدأت تستخدم في السياسة والاقتصاد، وحتى في العلاقات العامة الدولية، فهل بقيت هذه الاستراتيجية محصورة في المجال العسكري؟ أم أنها أصبحت أداة تفاوضية بامتياز؟
فإذا كانت هذه السياسة توصف بالهجومية، فهل نمتلك نحن أدوات الدفاع؟ هنا يظهر مفهوم (ثقافة الهجوم والدفاع في ظل الصدمة فليست الصدمة دائما حربًا مادية بل قد تكون قرارًا تفاوضيًا، أو تحركًا اقتصاديًا، أو حتى تغريدة سياسية تشعل أزمة. لذلك فإن الدفاع الحقيقي لا يكون برد الصدمة بصاعقة، بل بالثبات والمرونة والتحليل الهادئ واستشراف ما وراء الخطوة المفاجئة فالهجوم بالتشويش قد يواجه بالدفاع عبر التبصر لماذا يصبح هذا النقاش مهما الآن؟ لأننا نعيش في بيئة دولية يسودها عدم اليقين، حيث تتغير التحالفات وتعاد صياغة المصالح. وتستخدم الأدوات غير العسكرية لتشكيل الواقع الجيوسياسي فلم تعد الحروب التقليدية وحدها ما يُخيف الدول، بل القدرة على إرباكها اقتصاديًا، أو التلاعب بسوقها، أو إضعاف مفاوضيها عبر صدمة مدروسة.
ففي السياق الثقافي يشير المصطلح إلى شيء مذهل ومثير للإعجاب، مثل عمل فني أو حدث ما يثير مشاعر الدهشة. والانبهار وعامة يمكن استخدام المصطلح في وصف أي شيء يثير مشاعر الصدمة أو الذهول سواء كان إيجابياً أو سلبياً.
أما السياق السياسي والاقتصادي، فيمكن أن يشير مصطلح (Shock and Awe) إلى استراتيجية أو سياسة تهدف إلى إحداث تأثير كبير ومفاجئ على الاقتصاد أو السياسة، سواء على المستوى الوطني أو الدولي، على سبيل المثال فرض عقوبات اقتصادية قاسية على دولة ما، ما يؤدي إلى صدمة وانهيار في الأسواق. كذلك تنفيذ إصلاحات اقتصادية جذرية ومفاجئة، مثل: تحرير الأسعار أو تقليص الإنفاق الحكومي. وربما استخدام القوة العسكرية لإحداث تغيير سياسي أو اقتصادي في منطقة ما.
مما ذكر أعلاه عن استراتيجية الصدمة والذهول (Shock and Awe) ترى أن تأثيرها على المجتمع في الغالب سلبي على المدى القصير والطويل على سبيل المثال، تأثيرات سلبية على الفئات الضعيفة، مثل الفقراء أو العمال، وربما انهيار في الأسواق أو تغييرات في السياسات الحكومية، كما أن هناك نقاشات حول فعالية هذه الاستراتيجية وآثارها. حيث يرى البعض أنها يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية، بينما يرى آخرون أنها يمكن أن تؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار والاضطراب.
وما نراه يتمثل اليوم في السياسة الأمريكية وهي الحاضنة الأولى لهذه الاستراتيجية، وربما المطورة لهذه النظرية على ضوء الفترة (الترامبية)، كما نجد أدلة من الماضي في الفترة الأولى للرئيس «ترامب» بدأت في السياسة الخارجية. مثل القرارات المفاجئة كالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، أو السياسة التجارية بعرض رسوم جمركية على الواردات: كذا الانسحاب من اتفاقية باريس للتغير المناخي، كل هذا أثار استياء دولياً وردود فعل سلبية، خصوصاً أنه يتعارض مع المصالح الدولية أو يؤثر على الاستقرار العالمي.
وها نحن اليوم على شفا مستقبل تدار رحاه في أروقة السياسات العسكرية والسياسية والاقتصادية والمالية. وكذلك الاجتماعية في مطبخ الـ (Shock and Awe) أو الصدمة والذهول الأمريكي في مسار الـ (MAGA) أو لنعيد عظمة أمريكا (الترامبولينية) من جديد في منهجية القائل (أمريكا أولاً).
أمام هذا الواقع، يبرز سؤال جوهري: إذا كانت الحرب تدار أحيانًا بالمال، فهل يمكن للسلام أن يبتاع بالاستثمار؟ بل هل يمكن أن يكون المقابل الاستثماري أداة للنفوذ وكبح التصعيد؟ ربما نعم في عالم تتشابك فيه المصالح الاقتصادية، قد يكون التوسع التجاري والتحالف المالي أكثر فاعلية من المدفع، فكما يمكن للقوة أن تشترى بالصواريخ. ويمكن للعقل أن يشتري التهدئة. ويبني السلام ويؤسس لواقع جديد لا يقوم على الخوف بل على الشراكة.
إن استراتيجية (الصدمة والذهول مدرسة متجددة، قديمة في جذورها، لكنها معاصرة في أدواتها، وهي اليوم ليست حكرا على قوة واحدة، بل قد تستنسخ من دول أخرى أو تواجه بذكاء دبلوماسي، ولذلك فإن الوعي بها، وتدريب السياسيين والمفاوضين على فهمها، أصبح ضرورة من ضرورات التفاعل الذكي مع العالم.
لذلك قد يكون المقابل الاستثماري هو نفوذ التأثير في ابتياع السلام وأداة لإخماد سعير الحرب، وحفظ أرواح الأبرياء وما تبقى من كرامة الإنسان وحقه الأساسي بالعيش في أمان.
ختاماً، فإن الغطرسة، والتباهي والزهو، والتجبر والعجرفة والعتو والتشاوف، والعنجهية التي تراها في عالمنا اليوم مصيرها إلى قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) (الآية 182 الأعراف)، ومعناه: أنه يفتح لهم أبواب الرزق ووجوه المعاش في الدنيا حتى يغتروا بما هم فيه ثم يهلكهم. صدق الله العظيم..