د. بدر بن محمد الشومر
أشاد مجلس الوزراء الموقر -مؤخرًا- بما حققه برنامج تحوّل القطاع الصحي من مبادرات نوعية، أسهمت في تحسين جودة الرعاية الصحية وشموليتها، وتعزيز منظومة الوقاية، إلى جانب رفع مستوى السلامة المرورية، واستمرار التقدم في تطوير الخدمات الصحية الرقمية، وذلك تماشيًا مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، التي تسعى إلى بناء (مجتمع حيوي) يتمتع أفراده بمستقبل صحي مزدهر. وقد أكد معالي الأستاذ فهد الجلاجل وزير الصحة أن هذه الإشادة تجسد الدعم الكبير الذي يحظى به القطاع الصحي، وتُعد حافزًا لمواصلة العمل على تطوير المنظومة الصحية، وبناء نظام صحي فعال ومستدام، يُركز على تعزيز الصحة الوقائية للفرد والمجتمع، وتيسير الوصول إلى الخدمات الصحية، وتحقيق الكفاءة في تقديمها بأعلى جودة وبناء الكوادر الوطنية الصحية والإدارية المؤهلة، إلى جانب التوسع في استخدام التقنيات الصحية المبتكرة، بما يضمن استدامة التميز في تقديم الرعاية الصحية وفق أعلى المعايير العالمية.
تأسست أول كليات الصحة العامة في الجامعات السعودية في عام 2005م بجامعة الملك سعود بن عبد العزيز الصحية تلبية لحاجة القطاع الصحي لكوادر متخصصة في الوقاية والرعاية المجتمعية، حيث تضم تخصصات الصحة العامة علم الوبائيات والإحصاء الحيوي والإدارة الصحية والمعلوماتية الصحية. وتبعها افتتاح خمس كليات للصحة العامة بمختلف مسمياتها (كلية الصحة العامة، وكلية الصحة العامة والمعلوماتية الصحية، وكلية الصحة العامة وطب المناطق الحارة) في خمس جامعات حكومية: (جامعة الإمام عبد الرحمن الفيصل، وجامعة حائل، وجامعة أم القرى، وجامعة جازان، والجامعة الإلكترونية). كما تضم جامعات حكومية أخرى مثل: (جامعة القصيم والجوف والباحة والمجمعة) بعض تخصصات الصحة العامة ضمن كليات العلوم الطبية التطبيقية فيها. كذلك أعادت جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن كلية العلاج الطبيعي إلى كلية متفردة في مسماها هي كلية الصحة والتأهيل لتضم 13 برنامجًا للبكالوريوس في أربعة تخصصات رئيسة، هي: علوم التأهيل والعلوم الإشعاعية وعلوم الاتصال وعلوم الصحة. تعنى برامج كليات الصحة العامة بصحة المجتمع والوقاية من الأمراض، والبيئة والسلامة المهنية، والسياسات الصحية، والإحصاء الحيوي وإدارة النظم الصحية، بينما تركز برامج الكليات الطبية التطبيقية الأخرى مثل الطب والصيدلة والتمريض والمختبرات على تشخيص الأمراض والعلاج والتأهيل، ما يجعل تخصصاتها مكملة لبعضها البعض في تطوير القطاع الصحي بأبعاده المؤسسية والوقائية والتشخيصية والعلاجية والتأهيلية.
وتدعم كليات الصحة العامة أهداف التحول الوطني الصحي 2030 عبر ثلاثة مسارات أساسية: الأول تعزيز الصحة العامة والسكان والمجتمع، من خلال تأهيل كوادر صحية متخصصة في علوم الأوبئة، وصحة البيئة والسلامة المهنية، والكوارث والرعاية الأولية والإحصاء الحيوي، وتهدف إلى تحسين المؤشرات الصحية، وتقليل العبء المرضي عبر الوقاية، وخلق بيئات عمل صحية، وتمكين المجتمع، وتُدعم هذه البرامج بأبحاث تطبيقية تركز على الأولويات الوطنية مثل الأمراض المزمنة، وصحة البيئة والصحة السكانية.
المسار الثاني تطبيق خصخصة القطاع الصحي، وتوسيع التأمين الصحي، من خلال تأهيل كوادر صحية متخصصة في الإدارة الصحية واقتصاديات الصحة، وجودة الرعاية الصحية، وتهدف إلى رفع كفاءة إدارة المرافق الصحية والموارد البشرية وسلاسل الإمداد وتنفيذ المشروعات الصحية وتشغيلها وتمويلها، وتسهيل الوصول إلى الرعاية الصحية لجميع شرائح المجتمع، كما تدعم منظومة بحثية تركز على تحسين السياسات والكفاءة المالية بما يتوافق مع أولويات التحول المؤسسي في القطاع الصحي.
أما الثالث فهو تطبيق التحول الرقمي ونظم المعلومات الصحية من خلال إعداد كوادر مؤهلة في بناء أنظمة رقمية متكاملة، وتطوير الملف الصحي الموحد، وتحليل البيانات لدعم اتخاذ القرار. وتركز الأبحاث في هذا المجال على الذكاء الاصطناعي، والترميز الطبي، وتكامل الأنظمة ضمن أولويات الصحة الرقمية الوطنية.
ولكي تقوم كليات الصحة العامة بدورها الحيوي في دعم أهداف التحول الصحي، وتحويل رؤيتها إلى أثر ملموس، فإنها بحاجة إلى دعم مؤسسي يشمل: استقطاب كفاءات أكاديمية وبحثية متميزة من مختلف دول العالم، لاسيما من الدول ذات الخبرات المتقدمة في نظم الصحة العامة والوقاية. واستقطاب الطلاب والطالبات المتميزين، ورفع الوعي المجتمعي بأهمية تخصصات الصحة العامة. وتنويع البرامج الأكاديمية لتواكب متطلبات المرحلة المقبلة، مع التركيز على برامج الدراسات العليا والدبلومات المهنية التي تسهم في بناء رأس المال البشري القادر على قيادة التغيير في النظام الصحي. وبناء شراكات فاعلة ومؤسسية مع الجهات الصحية على المستوى المحلي والصعيد العالمي لتطوير الكفاءات البشرية والمناهج والبحث العلمي. أخيرًا فإن تمكين الكليات الطبية والصحية بالموارد النوعية والكفاءات البشرية المتميزة والدعم الإداري الفعال هو استثمار مباشر في تأهيل كوادر وطنية متخصصة قادرة على بناء مستقبل صحي أكثر وقاية وكفاءة واستدامة.