أوس أبو عطا
غني عن البيان، أن المملكة العربية السعودية منذ بداية الألفية الثالثة، باتت تلعب دوراً قيادياً متقدماً في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي الكبير والعالم الإسلامي، حيث إن المملكة العربية السعودية تتميز بثقلها الديني والاقتصادي والعسكري الوازن، أضف إلى ذلك مكانتها المتصدرة لدى الشعوب العربية والإسلامية عموما، وفي الخليج العربي خصوصا. في ظل اشتعال الحروب غير المباشرة عبر الوكلاء بين إيران وإسرائيل، تميزت الدبلوماسية السعودية بالحنكة والفراسة السياسية بعيدة المدى، إدراكا منها لحجم مسؤوليتها اتجاه أشقائها العرب وحرصا منها على الدول العربية، وتحديدا دول بلاد الشام. أمّا بما يتعلق بالقضية الفلسطينية، لم تكل الدبلوماسية السعودية ولم تمل، بتشديدها الحازم وموقفها الحاسم المؤكد على حق الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، وقد احتضنت غير مرة، أكثر من قمة عربية وإسلامية مشتركة، تصدّر جدول أعمالها وبياناتها الختامية، وقف حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزّة، والطلب الرسمي من الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية، الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967. وفي سياق متصل عبرت المملكة بتصريحات قوية عن رفضها المشاركة في أي عملية تطبيع مستقبلية إن أغفلت الحق الفلسطيني القديم الجديد بالحصول على دولته المنشودة، حيث يتوقع أن يحصد الفلسطينيون نتائج المؤتمر الدولي الذي سيترأسه كل من وزير خارجية المملكة الأمير فيصل بن فرحان ووزير الخارجية الفرنسي السيد جان بارو، وفي تصريحات لافتة؛ قال المندوب الفلسطيني في الأمم المتحدة الدكتور رياض منصور، للعربية إن «السعودية ستُقدم على خطوات مهمة لخلق حشد دولي يضمن تحقيق الاعتراف بالدولة الفلسطينية»، متوقعاً في الوقت ذاته عبر برنامج الشارع الدبلوماسي اعتراف 10 دول غربية بالدولة الفلسطينية.
وفي لبنان الشقيق، قارعت الدبلوماسية السعودية مرارا وتكرارا النفوذ الأجنبي الموجود هناك، وعملت بكل جد وإخلاص على تحرير لبنان من التدخل الأجنبي في شؤونه الداخلية، والذي كان وللأسف الشديد؛ مختبر تجارب للقوى الأجنبية. فالسياسة السعودية الواضحة والتي لا جدال فيها، ألا وهي استعادة الدولة لعافيتها وسيادتها وتقليص وتقزيم دور الميلشيات وتأثيرها، هذه الميلشيات التي إن كانت قد أطلقت عشرات الرصاصات والمقذوفات اتجاه إسرائيل، فهي قد أطلقت مئات الرصاصات والمقذوفات اتجاه شعبها، لتغليب مصلحتها الفئوية الضيقة. وفي سوريا الناهضة من المقابر الجماعية ومكابس الإعدام وغرف الملح والتوقيف، سارعت السياسة السعودية لأخذ سوريا من يدها، وتجلى الدعم السعودي بعدة أوجه، سياسية ودبلوماسية واقتصادية وإغاثية، فلولا الجهود السعودية الجبارة لم تُرفع عنها العقوبات، ولم يتم ذاك اللقاء الشهير بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الشرع بحضور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وأخيراً وصل وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، والوفد الاقتصادي رفيع المستوى المرافق له إلى العاصمة السورية دمشق، في زيارة رسمية، حيث عقد الوفد الاقتصادي رفيع المستوى جلسة مشاورات مع نظرائهم من الجانب السوري، إذ تبحث سبل العمل المشترك بما يدعم اقتصاد سوريا، ويعزز بناء المؤسسات الحكومية فيها، ويحقق تطلعات الشعب السوري. وفي سياق متصل، قامت المملكة بمدّ جسر من المساعدات، أهمها الجسر الجوي وقوافل المساعدات الإنسانية، تعبيرا عن الأخوّة والكرم الحاتمي بتقديم العون الطارئ الملموس والمتجسد بقوافل الشاحنات والطائرات، براً وجواً، والذي أكده الدكتور سامر الجطيلي في تصريحاته للإعلام بقوله «ليس لها سقف محدد».
أمّا سياسياً ودبلوماسياً، فقد عبر اختيار الإدارة الجديدة في سوريا، للمملكة العربية السعودية كوجهة أولى للجولات الخارجية لوزير خارجيتها أسعد الشيباني، ومن ثم لرئيسها أحمد الشرع، خير تعبير على عمق العلاقات التاريخية والأخوية بين الشقيقتين، وثقة سورية مطلقة بالدور المحوري الذي تلعبه السياسة السعودية في دعم الاستقرار السياسي والدبلوماسي في الشرق الأوسط.