حمد عبد العزيز الكنتي
تواصل المملكة رحلة الانفتاح على الآفاق في شتى المجالات، ومنه المجالات الثقافية، وما يندرج تحتها من دواوين وروايات وقصص وأفلام ومسرحيات ومسلسلات ووثائقيات وغيرها من الفنون الأخرى التي أصبحت تحظى بدعم حكومي غير مسبوق، ساعدها في الوصول إلى الجماهير في شتى بقاع الكرة الأرضية، والتي أكدت فيها المملكة أنها قادمة بسرعة صاروخ (فالكون) لحكاية قصصها بطريقة جديدة جذابة وذات تشويق متصاعد، تواصل فيها بما تمتلك من مكونات ثقافية - تعيش على أرضها الشاسعة مترامية الأطراف – تقديم وجهها الجديد والجميل للعالم.
ولو تأملنا السينما السعودية لوجدنا أنها فهمت ماذا يريد المشاهد في الداخل والخارج؟ فقدمت له مجموعة من الافلام التي تصدر بعضها إيرادات شباك التذاكر لفترات طويلة في صالات السينما في المملكة.
والقيمة المضافة لهذه الافلام الجديدة في كونها قدمت للجمهور الكريم الكثير من تفاصيل الحارات الصغيرة والاحياء الكبيرة، تلك التفاصيل التي قد يتقاعس عن تقديمها بعض النخبة، أو يتردد في سردها الكثير بأعذار مختلفة ساهمت في اختفاء هذه القصص المتنوعة والجميلة لسنوات طويلة بحُجة (الخصوصية السعودية).
لقد قدم لنا فيلم (شمس المعارف) نفسه كباكورة هذه الأفلام التي تخاطب المتلقي بلهجة الحارة الحجازية البسيطة، فأظهر لنا الكثير من التفاصيل التي تحصل في المدارس بين التلاميذ والمدرسين، ودخل بنا إلى دهاليز التركيبة السكانية لبعض الأحياء، وذهب بنا في أجواء درامية متنوعة ذكرتنا برواية (أولاد حارتنا) للروائي العالمي المصري نجيب محفوظ رحمه الله.
ومن (شمس المعارف) نسافر معاً إلى ديار نجد لنتابع سلسلة أفلام (الشميسي) التي اقتبس اسمها من أحد أشهر أحياء العاصمة الرياض، والتي كان من أبرز أفلامها فيلم (سطّار) الذي سيطر على شباك التذاكر، فكان لفترة طويلة هو الرقم واحد
ودخل بنا (سطّار) باللهجة النجدية إلى واقع الحياة لدى شباب الرياض، وقرب لنا الصورة عبر مجموعة من الأحداث التي تجعل الجمهور يعيش وكأنه في قلب بعض أحياء الرياض التقليدية المعروفة مثل: (منفوحة، أو الجرادية، أو الملز).
وتتواصل سردية المملكة للعالم عبر الكثير من الحكايات التي سطرت أيضاً في المسلسلات مثل مسلسل العاصوف بأجزائه الثلاثة الذي أخذنا في رحلة بدأت من عهد الملك فيصل -رحمه الله- ووصل بنا إلى عهد الملك فهد - رحمه الله-، في قصص تتحدث عن حقب حقيقية مليئة بالأحداث التي بقيت خالدة في أذهان الكثير، وحان الوقت أن يروا تفاصيلها وخفاياها بأم أعينهم، مثل حادثة الحرم المكي الشهيرة بقصة (جهيمان)
وشهد الإنتاج السعودي في السنوات القليلة الماضية غزارة ليس لها مثيل أخرجت لنا الكثير من الأفلام والمسلسلات التي امتلأت بها تطبيقات شاهد ونتفليكس - سواء كان ذلك بعد السينما او قبلها أو حتى بدونها - والتي ظهر بعضها بجودة عالية لم يعتادها المشاهد في محتواه العربي على وجه الخصوص، مثل مسلسل (رشاش) ذو الانتاج الضخم والتأثير الكبير في المشاهدين
وهذا يُعد غيضا من فيض أمام ما نراه في مهرجان الأفلام السعودية ومهرجان البحر الأحمر، وغيرها من المهرجانات الكبرى التي تميزت فيها الأفلام السعودية، واضعة في ذلك بصمتها الراسخة في هذا العالم عبر قصصها الكثيرة التي لن تنتهي والتي تضرب موعداً مع المشاهد عبر القنوات التلفزيونية والاذاعية والمنصات الرقمية المزدحمة بالتراث السعودي، والمليئة بهذا الإرث الثقافي المتنوع الذي يحمل شعار: (ليس لدينا ما نُخفيه فقصصنا هديتنا للعالم) الذي يسعى بنهم وشغف للاطلاع على هذه القصص التي يزداد جمالها حينما يرويها اهلها، ويمثلها أبناؤها وبناتها بلغتهم، وعاداتهم، وأسلوبهم الخاص الممتع، لتصل القصة بكل ما فيها من حيوية وحياة كوجبة ثقافية دسمة إلى الجماهير في الآفاق
وكأن المشهد يقول لنا قبل الختام: - وقبل أن تسدل ستارة المسرح، وتُطفأ انوار السينما، وتظهر كلمة «النهاية» على الشاشة – (لعقود ونحن نتابع القصص المصرية والسورية والكويتية عبر السينما والمسرح والدراما، فحان الوقت أن نحكي قصصنا بأسلوبنا الخاص لنُلهِم الكون بأسره).