د. محمد بن إبراهيم الملحم
لقد كان قرار وزارة التعليم بشأن استمرار اليوم الدراسي أثناء أسبوع الاختبارات قراراً عاصفاً عبر مجتمع المعلمين بل عبر كل أفراد المجتمع عموماً، فكان صعباً على الجميع استيعاب لغز كيف يمكن أن يكون شرح المواد بعد أن اختبر الطلاب فيها! فحينما تستمر الدراسة العادية أثناء أسبوع الاختبارات (حسب هذا القرار) فإن هذا يعني مثلاً أن معلم الرياضيات يجري اختبار مادته يوم الأحد (أول أيام الاختبارات) ولكنه في يوم الاثنين سوف يشرح للطلاب، وكذلك سيفعل يوم الثلاثاء والأربعاء وربما الخميس أيضاً ولا سيما أن مادة الرياضيات في المرحلة الثانوية مثلاً هي طوال أيام الأسبوع، وحتى لو افترضنا أن هناك مادة تقع في ثلاثة أيام في الأسبوع فهذا يعني أنه عندما يتم اختبارها يوم الأحد فإن المعلم سيشرح موضوعاتها يوم الثلاثاء والخميس مثلاً، والسؤال هو ماذا سيشرح وقد اختبر الطلاب في كامل المنهج! بمعنى أن الاختبار لابد أنه حصل في كامل المقرر والذي يفترض أن يكون قد انتهى المعلم من شرحه قبل يوم الأحد الذي يجرى فيه اختبار تلك المادة في مثالنا هذا! وعلى هذا المنوال يمكنك أن تقيس كيف حدث الالتباس الكبير لدى أفراد المجتمع في فهم هذا القرار، وأنا شخصياً لم أستطع استيعابه مثلهم، ومع وجود توضيحات قدمتها الوزارة لاحقاً والتي سوف أستعرض أهمها بعد قليل، فإن موجة الاستغراب في المجتمع لا تزال موجودة حتى اليوم، ولقد ولدت موجة من السخرية كوسيلة للتعبير عن مناهضة مثل هذه القرارات التي ربما تكون غير مدروسة أو حصل فيها شيء من الاستعجال، خاصة عند النظر إلى تعسر فهمها حتى على المعلمين والمشرفين وكل العاملين في الميدان.
وقد اطلعت على منشور توضيحي تذكر فيه الوزارة فائدة استمرار اليوم الدراسي أثناء تطبيق الاختبارات النهائية وسردت فوائد ولا أكتمكم سراً فلم أستطع أن أهضم أو أفهم أو أستوعب واحدة منها، حيث قالت في الفائدة الأولى: إن في القرار تسهيلا على الطلاب للاستعداد المبكر للاختبارات النهائية ولا أدري كيف يكون هذا التسهيل بصراحة! ولاسيما أن المنشور لم يشرح ويفصل.. وأما الفائدة الثانية فهي منح الوقت الكافي للمعلمين للتصحيح ورصد الدرجات، بينما شكا المعلمون من القرار أنه كيف يمكن الجمع بين عملهم في مراقبة وتنظيم اللجان الخاصة بالاختبارات وما يتطلبه الاختبار بعد ذلك من تصحيح ورصد درجات في حين أن القرار يلزمهم «بعد لجان الاختبار» مباشرة باستكمال اليوم الدراسي في شرح المواد ضمن حصص دراسية عادية هي بلا شك تشغلهم عن موضوع التصحيح، فمتى يصححون ويرصدون؟ هل سيكون ذلك في منازلهم بعد انتهاء تلك الحصص «العادية» وخروجهم من الدوام؟! وأما الفائدة الثالثة فهي تجهيز الخطة التعليمية والأسبوعية والفصلية للعام الدراسي القادم وهذه أيضاً غير مفهومة فلا يوجد علاقة بين الأمرين! وأما الفائدة الرابعة فهي تحسين كفاءة الإنفاق من خلال الاستغناء عن اللجان المركزية ولا أدري ما العلاقة بين اللجان المركزية واستمرار الدراسة أثناء أيام الاختبارات! والواقع إن الحيرة في القرار ذاته كانت أهون من الحيرة في فوائد القرار التي ذكرها هذا المنشور!
ثم اطلعت على دليل نشره قسم الإشراف التربوي بالوزارة سمي «تفعيل اليوم الدراسي أثناء تطبيق الاختبارات» وأبرز ما جاء فيه والذي يمكن أن أعتبره تفسيرا مفهوما هو ما يلي: تعد المدرسة جدولا يتضمن تقويمات وخططا إثرائية وعلاجية في المواد المتبقية (غير المادة التي تم اختبارها في ذلك اليوم)، وهذا يعني أن الطلاب يختبرون في بداية اليوم مادة ما ثم في بقية اليوم الدراسي سيقوم المعلمون بتقديم ما سمي «خطط إثرائية وعلاجية» وهي كما يقول الدليل «فردية وجماعية»، وتكون غالبا للمادة التي سيختبرون فيها يوم الغد، وفي هذه الحالة فإن الدليل يقول لنا في واقع الأمر أن اليوم الدراسي الذي يشير إليه القرار وليس سوى حصص مراجعة وليس «يوما دراسيا» كما نفهمه، ولذلك كان استخدام هذا التعبير (أعني يوم دراسي) في أصل القرار (قبل ورود هذا الدليل) سبباً في سوء الفهم الذي صدّع رؤوس أفراد المجتمع وأصابهم بالدوار، فمثلاً كان يمكن أن يكون القرار كالتالي: الوزارة تقرر أن تكون أيام الاختبارات مصحوبة بحصص مراجعة تلي فترات الاختبار، سيكون ذلك مفهوما جدا ومن أول وهلة، وهي فعلاً حصص مراجعة سواء أسمتها الوزارة خططا علاجية أو تقويمات أو أياً ما أسمتها، فإننا جميعاً وبدون تردد نعلم أن ما سيحصل في المدارس هو حصص مراجعة، بل إن هذا ما يوحي به دليل الوزارة الذي أشرت له قبل قليل، فعندما تقول أريدك أن تقدم للطلاب دعما تعليميا وذلك في المادة التي سوف يختبرون فيها يوم غد (بغض النظر ماذا سميته مراجعة أو خطة علاجية) فإنك في الواقع توصل رسالة للطلاب أنك تمارس «تدريسا من أجل الاختبار « ولذلك يتم تخصيص حصص لأجل تقوية للطلاب قبل أن يدخلوا هذا الاختبار سواء كان الكلام على الاختبارات النهائية العادية أو تلك المركزية، وهذه الفلسفة تناقض تماماً فلسفة الاختبارات من منظورها التربوي وتنقل الوزارة إلى مساحة التدريس للاختبار وهي مساحة سلبية لا تقرها أدبيات التربية والتعليم أو نظرياته كما يعلم جميع المختصين، وإني أنصح الوزارة في هذا الصدد أن تستعين بخبراء متمكنين من المعرفة التربوية وتعرض عليهم قراراتها لعل ذلك يجنبها الوقوع في مثل هذه الإشكالية مستقبلاً وبالله التوفيق.