سهم بن ضاوي الدعجاني
عندما أعلن رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز، قبل أيام عن إطلاق «ملتقى تاريخ الحج والحرمين الشريفين» الذي تنظّمه الدارة بالتعاون مع وزارة الحج ليكون منصة علمية وثقافية رائدة تعزِّز الإرث الحضاري للحرمين الشريفين وتسهم في إيجاد بيئة معرفية وحيوية للتبادل العلمي والبحث من مختلف دول العالم، لقد لفت نظري حسن خاتمة حديث الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين في ندوة الحج الكبرى في دورتها (49) التي نظَّمتها وزارة الحج والعمرة تحت عنوان: «الاستطاعة في الحج والمستجدات المعاصرة»، عندما قال سموه: «إن ما تقدمه المملكة في خدمة الحجاج والمعتمرين ليس امتدادًا لتاريخ مشرِّف فحسب، بل هو تجسيد حي لرؤية طموحة تسعى للارتقاء بهذه الرسالة النبيلة لتبدو أنموذجًا يحتذى به عالميًّا في التنظيم والرعاية الإنسانية»، ولا شك أن هذه الرسالة المتجددة، هي قمة الإنسانية والعناية المستدامة بالإنسان، في حين تملأ الشاشات صور الحروب والظلم والعدوان على الإنسان في شتى بقاع المعمورة، بينما صور العناية بالحجاج والاهتمام بهم والتنافس في خدمتهم، منذ استقبالهم حتى صالات المغادرة في جميع المنافذ تشكّل فضاءً سعودياً يبعث على الطمأنينة من خلال الرعاية التي أعادت للإنسانية قيمتها ووهجها في ظل الصور التي تعج بها الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي في العالم التي ضحيتها الوحيدة هو الإنسان، أما في المسار العلمي لملتقى «تأريخ الحج والحرمين الشريفين»، فإن هذا المؤتمر العلمي النوعي يأتي في سياق العناية الكبيرة التي توليها بلادنا قبلة المسلمين بتوثيق وتأريخ شعيرة الحج وخدمة الحرمين الشريفين، باعتبارهما من أعظم الشعائر الإسلامية وأبرز الرموز الحضارية في التاريخ الإسلامي. فمنذ بزوغ فجر الإسلام، شكَّل الحج ركيزة من ركائز الهوية الإسلامية، ومظهراً من مظاهر الوحدة والارتباط بين المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها.
وفي ظل هذا الإرث الكبير، شهد الحرمان الشريفان منذ عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- نهضة شاملة في البناء والتنظيم والخدمة والتوثيق، حيث أولت القيادة الرشيدة اهتمامًا غير مسبوق بتوسعة الحرمين الشريفين وتطوير مرافقهما، واستحداث أنظمة متقدمة في إدارة الحج والعمرة، كما يسعى المؤتمر إلى مناقشة الفرص التي تتيحها التقنيات الحديثة في توثيق وتقديم تجربة الحج والحرمين الشريفين بوسائط رقمية تفاعلية، تعزِّز من الوعي الحضاري والثقافي لدى المجتمع، وتدعم الجهود الأكاديمية والمتحفية والإعلامية للمملكة من خلال عدد من الأهداف:
إبراز الجهود التي تبذلها المملكة في رعاية الحرمين الشريفين وخدمة ضيوف الرحمن وتتبع مراحل تطور رحلة الحج عبر التاريخ الإسلامي والحضارات المختلفة وتوثيق التحولات المعمارية والفنية للحرمين الشريفين، خاصة في العصر السعودي المبارك ودعم البحث العلمي المتخصص في موضوعات الحج والحرمين الشريفين وتعزيز التداخل المعرفي بين التخصصات وتطوير منهجيات حديثة لتوثيق وعرض تاريخ الحج والحرمين الشريفين باستخدام الوسائط الرقمية وتحويل مخرجات الملتقى إلى محتوى معرفي وثقافي يمكن الاستفادة منه في التعليم والإعلام، هذا كله سيرسمه الباحثون والدارسون من خلال هذه المحاور التالية: المملكة وخدمة الحرمين الشريفين، الحج والحرمان الشريفان في المدونات التأريخية والرحلات، الحرمان الشريفان: العمارة والهوية البصرية، الحج والثقافة والذاكرة الاجتماعية، التقنيات الحديثة وتوثيق الحج.
السؤال الحلم
متى نصل إلى توثيق معرفي ورقمي مستدام للحج والحرمين الشريفين لمزيد من الرصد لفضاءات التأريخ والثقافة والعمارة لهذا الركن العظيم؟ لا شك أن ذلك الهدف الأسمى سيتحقق قريباً بهذا التكامل الثقافي بين دارة الملك عبدالعزيز كمؤسسة متخصصة في خدمة تأريخ وجغرافية وآداب وتراث المملكة والجزيرة العربية والعالم العربي منذ أكثر من نصف قرن، من خلال الشراكة النوعية مع وزارة الحج عبر ندوة الحج الكبرى التي أصبحت منبراً للتقارب الشرعي والفكري ومنصة للحوار ومجالا لتبادل الرؤى والخبرات المتصلة بالحج، كما أن الطموح أن يتحول المحتوى العلمي لملتقى الحج والحرمين الشريفين إلى صفحات مضيئة في مناهجنا الدراسية في التعليم العام والجامعي لتبقى (خدمة حجاج بيت الله العتيق) أيقونة سعودية عالمية تقرأ وتسمع وتشاهد بكل لغات العالم ولتصبح «صورة الحجاج» في المشاعر المقدسة عابرة للقارات حاملة معها أسمى ألوان وأشكال رعاية الإنسان.