أ.د. يحيى بن محمد شيخ أبو الخير
احتفى منتدى ثلوثية بامحسون الثقافي بالرياض مشكوراً مساء الثلاثاء 22-11-1446 الموافق 20-5-202م بتكريم الأديب الأريب فارس اللغة العربية رائد الأدب السعودي وعرابه الناقد الشاعر الباحث العلم المحقق للتراث العالم العلامة الأكاديمي الموسوعي البارز الأستاذ الجامعي المرموق معالي الأستاذ الدكتور أحمد بن محمد الضبيب، العضو السابق لمجلس الشورى، المدير الأسبق لجامعة الملك سعود، الأمين العام لجائزة الملك فيصل العالمية سابقاً وعضو مجمع اللغة العربية في القاهرة حالياً.
ولا شك أن معالي أ.د. أحمد الضبيب «أبا عمرو» جدير في حقيقة الأمر بهذا الاحتفاء التاريخي التكريمي الكبير الذي هو احتفاء في الآن نفسه بسمات شخصية معاليه التي عهدتها لسنوات طوال بسمتها البهي الجاذب الوقور، المتواضع الباسم الودود السمح الخلق، الأمين الطبع اللطيف القول، السديد الرأي الحسن المعشر، الكريم الوفادة الرقيق الوجدان، الشفاف الفؤاد الحضاري التعامل الراقي السلوك مقصداً وتوجهاً. ولذلك ظل معاليه عبر السنين ولا يزال كذلك كما التقيت به أول مرة، رغم مباهج السمعة التي احتلها ومآثره السامقة العديدة، إنساناً امتلك بسجيته الإنسانية ورفعة خلقه وجدان طلابه، واستحوذ على قلوب زملائه ومحبيه وتربع على عروش أفئدتهم بما لا تستوفي وصفه أحرف وسطور. فشكراً جزيلاً لأخي سعادة الدكتور عمر بن عبد الله بامحسون صاحب المنتدى والشيخ عبد الله بن سالم باحمدان راعي الحفل على تكريمهم هذا العام لمعالي أ. د. أحمد الضبيب. كما أن الشكر موصول للأستاذ المخلص الخلوق محمد أدم وزملائه من فريق العمل التنفيذي بالمنتدى على حسن التنظيم.
ولقد حظيت بشرف المشاركة في ندوة أقيمت بمناسبة هذا الاحتفاء بورقة بعنوان «السمت العلمي لمعالي أ.د. أحمد بن محمد الضبيب بين الدراسات اللغوية وتحقيق التراث» التي وظفت فيها البرمجة الأسلوبية لتحليل المحتوى، عبر نظم التغذية المنهجية الاستقراء - استدلالية الراجعة التي تمكنت بموجبها الربط َبين دراسات معاليه وبين القضايا المعرفية التي تشملها مجالاتُ اهتماماته العلمية كعلم اللغة الاجتماعي، والهوية اللغوية، والعرب والخيار اللغوي، والواقع اللغوي العربي المعاصر، والأدب، والببليوجرافيا، والترجمة اللغوية، والمعاجم، والرصد الثقافي، والتحقيق اللغوي، والنقد التراثي الموضوعي. وأغتنم هذه الفرصة لأوجه الشكر لكل من الزميلين الفاضلين سعادة أخي الجليل الأديب الشاعر الكبير سعادة الدكتور عبد الرحمن بن إبراهيم العتل مدير الندوة، وأخي الفاضل سعادة أ. د. إبراهيم بن سليمان الشمسان الذي أتحف الحفل بورقته الضافية الموسومة» أستاذي العلامة أ.د. أحمد بن محمد الضبيب.
وأود في بداية مقالتي هذه أن ألقي الضوء باختصار على طبيعة المنهجية العلمية التي سلكها معاليه في البحث والتأليف في مختلف مجالات اهتماماته العلمية الآنفة الذكر. فتراوحت منهجية معاليه العلمية بين الاستقراء الوصفي في بعض الأحيان، كما هو الحال في كتاب الأمثال لأبي فيد السدوسي وكتاب الأمثال لحمزة بن حسن الأصفهاني، والتحليلي في البعض الآخر كما هو الحال في مرافئ التراث النقدي التوجه، وفي حركة إحياء التراث في المملكة العربية السعودية التاريخي التحليلي الاستقراء - استدلالي التوجه. وهنالك مؤلفات أخرى عديدة جمع فيها معاليه بين الوصف والتحليل ككتابه على آثار المحققين الذي يشمل أبحاثاً ودراسات نقدية، إضافة إلى كتابه عن حمد الجاسر والتراث الذي راوح فيه معاليه بين التبويب والتصنيف والقياس وتوظيف القرائن الجائزة والتغذية الراجعة لتحليل المحتوى. ولم يقتصر منهج معاليه في البحث والتأليف وصفاً وتحليلاً على الاستقراء فحسب بل تعداه إلى مراحل الاستدلال والاستنباط واشتقاق التعميمات التي يدعمها معاليه منهجياً بخبراته الإدراكية، وبما ترجح له صحته من الأطر المرجعية والحقائق والمعلومات المقيسة والمفاهيم المعرفية الاستدلالية التوجه التي مكنت معاليه من أن ينقل استنباطاته المنهجية باقتدار وكفاءة واحتراف منقطع النظير من مرحلة الاستقراء الناقص إلى مرحلة الاستقراء الكامل الاستدلال الذي هيأ لمعاليه أمثل الفرص لاستنباط التعميمات العلمية النهائية الرصينة التي تمتاز بها أبحاث ودراسات معاليه القيمة. ومن أهم النماذج ذات التوجه الاستقراء - استدلالي مؤلفاته القيمة عن «اللغة العربية في عصر العولمة»، و«العرب والخيار اللغوي: دراسات ومقالات في الواقع اللغوي العربي المعاصر»، و«مستقبل اللغة العربية»، وغيرها من مؤلفاته في علم اللغة الاجتماعي والرصد الثقافي والنقد التراثي والأدب.
ولعلي أبدأ سردي عن سمت معاليه العلمي في هذا المقال بكتابه القيم «اللغة العربية في عصر العولمة» الذي عزا فيه أستاذي الجليل التهديد الذي تتعرض له اللغة العربية اليوم إلى العولمة التي فَرَضَتها دول الشمال المتقدمة على دول الجنوب النامية مستهدفة في رأي معاليه عبر شروط اقتصادية وسياسية وثقافية ذوبان تلك الدول واندماجها في غيرها لتحويلها إلى دول كاملة التبعية لمحور دول الشمال. ولقد تصدى معاليه - جزاه الله خيراً - لهذا التيار المهدد لهوية الأمة اللغوية والثقافية عبر هذا الكتاب وعدد آخر من مؤلفاته القيمة ومنها «العرب والخيار اللغوي: دراسات ومقالات في الواقع اللغوي العربي المعاصر» و»مستقبل اللغة العربية». فكشف معاليه من خلال هذه المؤلفات مواضع الخلل ومفارقاته ومقارباته، مستقرئاً - رعاه الله - الأطر المرجعية المتعلقة بالوقائع الجغرافية والتاريخانية تكويناً وتوزيعاً ومسترداً الأسانيد المعلمية المرجعية، معتمداً في ذلك كله على ما ترجح لمعاليه صحتُه من الأطر المرجعية والدراسات والوقائع الجغرافية والشواهد المكانية وقرائنها الزمانية المنشأ والتحول.
كما وقف معاليه في مؤلفاته عند كثيرٍ من الحقائق والمعلومات اللغوية المرجعية التي سخرها للتصدي لهذا الخطر الداهم. فأوضح معاليه في كتابه «اللغة العربية في عصر العولمة» بالأرقام الكيفية التي أسقط هنتجتون صموئيل صاحب كتاب «صدام الحضارات» بها الادعاء بعالمية اللغة الإنجليزية، مؤكداً معاليه رقمياً أن هذا الادعاء وهم كبير لا أساس له في الواقع العالمي الجيومكاني المقيس.
ودعماً لنداءات معاليه الداعية إلى ضرورة تعريب التعليم في التخصصات الجامعية برمتها بما في ذلك تخصص الطب، فقد وظف - أدام الله ظله - نتائج الدراسة التي أجراها الدكتور زهير السباعي بعنوان «تجربتي في تعليم الطب باللغة العربية» التي أثبت فيها زيادة قدرة طلاب الطب على القراءة والاستيعاب والفهم بقدر ملحوظ نتيجة لتدريسهم هذا التخصص باللغة العربية مقارنة بتدريسه لهم باللغة الإنجليزية.
كما استند - وفقه الله - في دعم نداءاته للتعريب إلى دراسة أخرى أجريت أيضاً على طلاب كلية الطب بجامعة الملك فيصل التي خلصت إلى أن أكثر المشاركين في هذه الدراسة يوفرون نحو 50 % أو أكثر من وقتهم لو أنهم تعلموا الطب وكتبوه باللغة العربية دون غيرها من اللغات. كما ضَمَّن معاليه دراساته عن اللغة العربية في عصر العولمة نتائج بحث حاسوبي أجري في اليابان على اللغات العالمية؛ بهدف تحديد أكثر تلك اللغات وضوحاً من الناحية الصوتية، حيث أكد من خلال نتائج هذا البحث أن اللغة العربية تتصدر اللغات في هذا الجانب الصوتي.
وقد وضع معاليه القارئ العربي في كتابه الموسوم «العرب والخيار اللغوي: دراسات ومقالات في الواقع اللغوي العربي المعاصر» أمام ثلاثة خيارات: الأول تبني اللغة العربية الفصيحة الأم والثاني الاعتماد على العامية أو اللجوء إلى اللغة الإنجليزية ثالث الخيارات، فانحازت بعض البلدان للخيار الثالث الذي تُطمَسُ بسببه الهوية وتُكَرَّسُ التبعية ويُعَزَّزُ الاستلاب المقيت ويَحُدُّ من القدرة على الفهم والإبداع والابتكار ويعوق من حركة نهوض الأمة وتقدمها.
ونادى معاليه في هذا الصدد أيضاً إلى وضع نظام للغة العربية يفسر ما يخص اللغة في المادة الأولى من النظام الأساسي للحكم حتى تجد تلك المادة موضعَها من التطبيق.