د.محمد بن عبدالرحمن البشر
أنهى الحجاج - بحمد الله وتوفيقه- الوقوف بعرفة، في أحسن حال، تقبل الله منا ومنهم صالح الأعمال، وقد قدمت المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي العهد الأمين - حفظهما الله - جميع سبل الراحة، من مأكل، ومشرب، ومأوى، ومواصلات، واتصالات، وتبريد، وقد جندت المملكة عدداً كبيراً من رجال الأمن الذين عملوا على توفير أقصى درجات ما أنيط بهم، كما قدم القائمون على الحج جهداً كبيراً، مضاعفاً، دون كلل أو ملل، راجين بذلك وجه الله.
وتوجه الحجاج إلى منى لإتمام ما بقي من شعائر، ليعودوا إلى بلادهم سالمين غانمين مقبولين بعون الله ورحمته، وفي رحلتهم الدنيوية مكسب عظيم وهو إتمام فريضة الحج للمستطيع، فهو بحق موسم حج ناجح بحمد الله، كما كانت المواسم التي سبقته، وكانت الدولة تسابق الزمن لتقديم الخدمات، فكيف وهي تتعامل مع مئين من البشر يتنقلون أفواجاً في بقعة صغيرة في زمن محدود جداً، ويقومون فيه بالتنقل من مكان إلى مكان لأداء العبادات، ولا ننسى أهل الخير والإحسان الذين دأبوا على تقديم ما يستطيعون، ينفقون من فضول أموالهم أطيبها.
في مكة لغير الحجاج وفي سائر الأقطار الإسلامية وغير الإسلامية، يفرح المسلمون بعيدهم، ويبتهجون بجديدهم، بعد أن صفحوا عن الزلات، وتبادلوا طيب العبارات، وتواصلوا، ووصلوا الأرحام، ركوباً أو سيراً على الأقدام، ومن استطاع منهم أن يذبح أضحيته ذبح، وأكل منها وربح، وأطعم وأفرح، فهو عيد فرح وسرور، وتسامح وتراحم، اللهم أرنا فيه ما يجبرنا، وبشرنا فيه بما يسرنا وينفعنا، فما أجمل الدنيا إذا أقبلت، وأمطرت، وما أعظم أجر الصبر فيها إذا أدبرت، وأكلحت وأمحلت، اللهم امنحنا رحمة وتوفيقاً في هذا العيد، وبركة وصلاحاً، ونجاحاً وفلاحاً، وصحة لا يتلوها سقم، وراحة لا يتبعها ألم، اللهم اقض ديوننا، واشرح صدورنا ويسر أمورنا، واجعل لنا في هذا العيد وما سواه من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ومن كل بلاء عافية.
في هذا العيد وفي كل عيد تزداد ثقتنا بربنا أن كل شيء بيده، ويقيناً أن ما مر على كل مسلم خير له، وبهذا اليقين تطمئن القلوب، وتتفتح الدروب، ولن تكون كما يجول بخاطر الشاعر الفذ أبو الطيب المتنبي الذي قال قصيدته في العيد، وهو مكتئب ينظر إلى الدنيا بعين المحبط بعد أن ترك وطنه، وحمل جرحه وألمه، وغادر بلاط سيف الدولة بعد أن ضربه ابن خالويه بمفتاح أخرجه من كمه، بعد جدال لغوي، ولم ينصفه سيف الدولة والحادثة تمت في مجلسه، فغادر البلاط مغاضباً، وهو المجبول على الكرامة والكبرياء، حيث قال:
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
ونقول بل الأمر فيه تجديد، تجديد يحمل الخير، والأمل لأنفسنا ولأسرنا ومن نحب، وللأخيار من الناس، الذين يحملون قلوباً مليئة بالتسامح فينتهزون المناسبات مثل مناسبة يوم العيد ليصفحوا، ويسجحوا، ويواروا في الثرى الضغائن والأحقاد، ويلتمسوا الأعذار، والحمد لله على نعمة الإسلام والأمن والأمان.