د.عبدالرحيم محمود جاموس
اللقاء الذي جرى بين إسرائيل والإدارة السورية الجديدة يمثل حدثًا سياسيًا لافتًا يُكسر فيه جليد الصمت والتوتر الذي دام لعقود، ويعيد فتح الملفات المعقدة العالقة منذ اتفاق فك الاشتباك عام 1974.
هذه المحادثات، إن صدقت النوايا واستقامت الإرادات، قد تؤسس لتحول نوعي في العلاقات الإقليمية، خاصة في ظل التغيرات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة بعد أكثر من عقد من الصراعات والتحولات.
إن انعقاد هذه المحادثات في حد ذاته يشير إلى تغيرات في الحسابات السياسية على الجانبين، سواء من حيث الضرورة أو من حيث الضغط الدولي. فالإدارة السورية الجديدة، التي يبدو أنها تحاول تقديم نفسها كفاعل سياسي براغماتي قادر على التعامل مع ملفات الأمن والاستقرار الإقليمي، تدرك أن انخراطها في حوار مباشر مع إسرائيل قد يفتح لها أبوابًا مغلقة على المستوى الدولي، خاصة في ملف العقوبات وإعادة الإعمار.
بالمقابل، ترى إسرائيل في هذه اللحظة فرصة لإعادة هندسة البيئة الإقليمية شمال حدودها. ما يمكن أن يتمخض عن هذه المحادثات:
1- ملف الجولان: سيظل حاضرًا في كل مفاوضة سورية-إسرائيلية، ولو بصيغة غير مباشرة. من غير المرجح أن تقدم إسرائيل أي تنازلات ميدانية في الوقت الراهن، لكنها قد تلوّح بإمكانية مراجعة بعض الترتيبات الأمنية على خطوط التماس، كجزء من تفاهم أمني أوسع.
2- غياب الوجود الإيراني: تمثل هذه النقطة تحوّلًا استراتيجيًا بالغ الأهمية.
فقد أنهت الإدارة السورية الجديدة فعليًا أوجه الوجود الإيراني العسكري والأمني على أراضيها، ما يشير إلى سعيها لاستعادة سيادتها الكاملة والتخلص من التبعيات الإقليمية التي رافقت مرحلة الحرب. بهذا الغياب، تفقد إسرائيل واحدة من أهم ذرائعها التقليدية للتصعيد، وتُصبح المحادثات أقل توترًا وأكثر قابلية للتقدم. كما أن غياب إيران قد يسهل التفاهم حول ترتيبات أمنية في الجولان، ويحوّل سوريا من تهديد إلى فرصة لضبط الحدود.
3- الدور التركي: تركيا بما لها من تأثير لدى الإدارة السورية الجديدة، وبما يربطها من علاقات تاريخية متنوعة مع إسرائيل، سوف تلعب دوراً مهماً في صياغة العلاقات الإسرائيلية السورية بما يضمن ويحقق مصالحها لدى الطرفين السوري والإسرائيلي معاً، ولذا تجد تركيا نفسها معنية بنجاح هذه المحادثات، بما يحقق مصالحها الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية.
4- التطبيع والتعاون الأمني: إذا استمرت المحادثات، قد تنضج تفاهمات حول تبادل المعلومات الأمنية، خاصة في ما يخص تنظيمات المقاومة، وربما تطبيع رمزي تدريجي في بعض الجوانب الاقتصادية أو الخدمية.
إذاً هذه المحادثات قد لا تكون بداية سلام شامل، لكنها بالتأكيد تعكس انتقالًا من مرحلة الصدام والمواجهة المجمّد، إلى مرحلة اختبار البدائل، وهي مرهونة بمدى قدرة الأطراف على التعامل مع الإرث التاريخي للصراع العربي الإسرائيلي، والحساسيات الإقليمية القائمة، بعقلانية ومسؤولية.
فهل يكون هذا اللقاء خطوة في اتجاه إنهاء الصراع السوري الإسرائيلي.
الأيام القادمة وحدها ستجيب عما سينتج عن هذه المحادثات، إن كتب لها أن تنجح وتستمر.