رمضان جريدي العنزي
يوزن الحديد بالطن، ويوزن الذهب بالجرام، ويوزن الألماس بالقيراط، وتوزع السلع الاستهلاكية بالكيلوغرام، وتوزن الأعمال في الآخرة بالذرة خيراَ كانت أم شراً، ويوزن الرجل باللسان والأخلاق والسلوك والمواقف والعشرة والصدق بالحديث وقوة الفعل وحسن المعاملة والمعاشرة، والالتزام بالعهود والعقود، إذا وعد لا يخلف، وإذا اؤتمن لا يخون، وإذا حدث لا يكذب، يعيش بوجه واحد فقط ولا يعيش بوجوه متعددة، ولا يرتدي الأقنعة، لا يتلون ولا ينافق، ويمقت الدسائس والحيل، ويلفظ حياكة المكائد والمكر والخبث والخديعة، إن الرجل الحقيقي ليس بماله ومنصبه ومظهره، بل بما يحمله من مبادئ وقيم، وتفرده بين أقرانه وتميزه، وعطائه وتعاونه ومبادراته ونواياه الصادقة، ومروءته وشهامته. في عصر التقدم المادي أصبح ميزان الرجولة مائلاً كون الرجولة باتت جوهراً يفتقده البعض أكثر مما نراه متجسداً في الواقع، إن الرجولة ليست مجرد صفة جسدية، ولا بالمظاهر الخارجية، بل تكمن بالروح والنفس والخلق، قد نجد من يتمتع بقوة الجسد لكنه ضعيف العقل والإرادة، وقد نرى شخصاَ معاقاَ جسدياَ لكنه يحمل همة الرجال، الرجولة هي مضمون يتجلى في الأعمال والأفعال والقرارات، وليست في البريق الزائف للمظاهر والشكليات، في زمن طغت فيه المادية وتراجعت فيه القيم، باتت الرجولة فضيلة تحتاج إلى إحياء، لقد تغنى عنترة بن شداد بالرجولة:
إني امرؤ مني السماحة والنــدى
والبأس أخلاق أصبت لبابهــا
وأنا الربيع لمن يحل بساحتـــي
أسدٌ اذا ما الحرب أبدت نابها
إن هذه الخصال التي ارتجز بها عنترة، من سماحة، وشجاعة، وشهامة، ومساندة الضعيف، والصبر، والعفة، وغير ذلك من الفضائل التي تحلى بها العرب في الجاهلية والتي دعا إليها الإسلام، هي المطلوبة في زمن عزت قليلاَ فيه مثل هذه الخصال، إن الرجل هو ساق الأمة وساعدها، وله دور رئيسي وفعال خُلق من أجله، ومتى تخلى الرجل عن دوره الحقيقي اختل ميزانه، وأصبح مشوهاَ فاقداَ للبوصلة والهوية.